كل جمعة

النقاب.. بوصفه تهديداً أمنياً

باسل رفايعة

بدايةً، يجب ألا يأخذ النقاش حول النقاب طابعاً دينياً، فالإسلام لم يفرض إخفاء وجه المرأة، ولم ينصح به، ولا وجود لنصّ، من حيث هو، وكل ما في الأمر اجتهادات، وجميعها اجتهد في غياب الدليل، وفتح هذا الباب، بانتقائية مفهومة في سياق نظرة محددة للمرأة، فالنساء منذ فجر الإسلام وحتى الآن، يُظهرن الوجه والكفين كل عام في موسم الحج.

ما نستطيع أن نفعله بمسؤولية وحرص على الأمن والأمان، يلخصه قانون يعالج قضية ارتداء النقاب في الأماكن العامة

النقاب عادة اجتماعية قديمة، عرفته أمم كثيرة غير العرب والمسلمين، فقد لجأ إليه الإغريق لإخفاء وجوه الرجال والنساء المشوهة، والمريضة بالبثور والتقرحات، وفرضه الفراعنة على الجواري والعبيد، وهو أيضاً تقليد يهودي راسخ، ظلّ شائعاً في البلاد العربية في الحقب المسيحية والإسلامية، وربما تعلق بالنظرة الدونية للمرأة في اليهودية عموماً، واعتبارها رمزاً للخطيئة.

أكرر، أن النقاب شأن غير ديني، حتى لا يكون مجالاً لجدل عقيم، وتشنج ومزايدات. ولكي لا نبتعد عن الأزمة التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية في حساسية التعامل مع إخفاء الوجه واليدين، وما نتج عن ذلك من تعقيدات أمنية، وجرائم، واستغلال، يبدأ من الغش في الامتحانات الدراسية، والمخالفات المرورية، وقد لا ينتهي عند جرائم القتل والسرقة، فقد تابعنا في السنوات الماضية، كيف تنقب رجال ونساء، وارتكبوا أعمالاً إرهابية، راح ضحيتها المئات في أكثر من بلد عربي ومسلم.

قضاة المحكمة الأوروبية الذين أيدوا فرنسا في حظر النقاب، قبل سنوات، استشاروا متخصصين بالشريعة الإسلامية، قبل أن يخلصوا إلى أن «إخفاء الوجه لم يستند إلى أي دلالة دينية، كما أن الوجه يلعب دوراً مهماً في التفاعل الاجتماعي».

هذا شأن اجتماعي بحت، حاول كثيرون إضفاء طابع ديني عليه، بناء على تشدد في فهم الدين، وتطرف في تطبيقه، وعلينا أن نقرأ الأمر من هذه الزاوية، إذا أردنا أن نتعامل مع الخطر الحقيقي لوجود كائن يتشح بسواد كامل، ويخفي وجهه بقناع، ويديه بقفازين، ولا نعرف إن كان رجلاً أو امرأة، يدخل إلى المراكز التجارية، والأسواق، ومحطات الحافلات والقطارات، حيث الاكتظاظ، وحيث الناس في غفلة وانشغال بشؤونهم العامة.

هذا الكائن المتخفي يرى الآخرين، ولا يرونه. إنه/ إنها في استمتاع خاص بلعبة التخفي والعزلة، على الرغم من الوضوح والضجيج في الخارج. كاميرات المراقبة الأمنية قد لا تستطيع كشف هويته. رجال الشرطة يترددون في استخدام صلاحياتهم في الطلب من المنقبات الكشف عن وجوههن. لاحظوا الاستقواء، فالأمر يتطلب وجود امرأة شرطية، مع أن كشف الوجه واليدين جائز ومطلوب دينياً.

طبعاً، سنجد دائماً من يجادل بالحرية الشخصية، سواء كان مؤمناً بها أم لا. ويحاجج بأن السافرات يرتكبن جرائم أيضاً، وأن حظر النقاب لن يمنع الجرائم، وهذا أكثر خطورة وضرراً، لأنه يفهم الحرية الفردية بعماء من يوافق على تعريض حياة آلاف الناس للخطر، ويوافق على أن ينجو مرتكب الجريمة لأنه متنقّب، وأيضاً يعتبر أن حق إخفاء الوجه واتخاذه ستاراً للجريمة، حقٌّ يتقدم على كل حق.

ومع بالغ التقدير والاحترام لدوافع المنقبات، فإن الضرورة تُحتّم على الدول العربية والإسلامية أن تجد حلولاً لاستغلال هذا التقليد الاجتماعي، بما يراعي المصلحة العامة في الأمن والاستقرار، وهما أمران لا يجوز التضحية بهما تحت أي اعتبار، أو ذريعة. لا يمكن نشر آلاف من الشرطة النسائية للتحقق من هوية الأشخاص المنقبين في الشوارع والمطاعم والمراكز التجارية ودورات المياه، ولا يمكن اختراع بصمة ذكية لكشف الهويات. ما نستطيع أن نفعله بمسؤولية وحرص على الأمن والأمان، يلخصه قانون يعالج قضية ارتداء النقاب في الأماكن العامة.

فـ«لا ضرر.. ولا ضرار».

brafayh@ey.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر