5 دقائق

ولا تنسوا الفضل بينكم

خالد الكمدة

«الشرع أحل أربعة.. يا أخي إذا كان لا يعجبها أن تبقى في بيتها معززة مكرّمة يمكنها أن تتمتع بغرفة صغيرة في بيت أمها الشعبي، مؤخر صداقها في الدرج الثالث، سيصلها كاملاً وفوقه هدية».

مؤخر صداق (أم جابر) في درج زوجها الثالث، هكذا يختصر كثير من الأزواج بعد أن تمتلئ جيوبهم سنوات من المودة والتضحية، مكافأة نهاية خدمة، يضعها الزوج في ظرف صغير بدرج مهمل لتشعره بأنه في حِلّ من أي رباط بمستخدمته التي لم يعد بحاجة إليها بعد أن أمضت السنوات الأصعب في تربية الأبناء، وبعد أن تبدد رحيقها بين دفاتر أبنائها وقدور مطبخها وشراشف زوجها.

«لا تكافئ من تعطيك روحها وأيامها بغير شروط بهدية ورزمة دراهم، وما هكذا يقدر ديننا ومجتمعنا العلاقات الإنسانية السامية».

لا شأن لأم جابر بتلك الشابة الرشيقة التي ستدخل على سجادة حمراء هذا المنزل الذي صرفت لتأسيسه سنوات من حياتها، ما عاد للحجر وزن، لم تفكر قط في نهاية خدمتها، مر بذهنها وهي تتذكر كم من الدراهم ما سيكون في الظرف، شريط سريع لسنوات الخدمة، منذ أن زُفّت إلى غرفة صغيرة في بيت أهل زوجها، قضت فيها عقداً حتى ما عادت أرضها تتسع فرش أطفالها الأربعة، رأت نفسها تجلس على الشاطئ تراقب جابر وأخوته يلعبون في صيف حارق، لأنها فضلت توفير نفقات السفر أملاً في أن يكون لها في ذات صيف، بيتٌ كهذا الذي سيستقبل الضيفة الجديدة على سجادة حمراء، لمع في ذهنها ذلك العقد الذهبي الجميل الذي أهداه لها جدّها وهي تضعه على طاولة الصائغ لتفك بثمنه دين زوجها، وانتهى الشريط، وقعت عيناها على هذه الأدراج الخزفية الفاخرة التي نقلتها بعناية لتضعها في صدر غرفة زوجها الحبيب، تذكرت كيف بقيت بعدها في الفراش أسبوعاً، لأن حماسها لم يكن كافياً لتحمل ثقل الأدراج وأصيب بذلك ظهرها، لم تعرف أم جابر أن نهاية خدمتها ستستقر في الدرج الثالث.

لا تكافئ من تعطيك روحها وأيامها بغير شروط بهدية ورزمة دراهم، وما هكذا يقدر ديننا ومجتمعنا العلاقات الإنسانية السامية، وإلا لاحتسبنا مكافأة نهاية خدمة عادلة تضم أجرها الذي لم تأخذه عن كل ثوب غسلته وكل طبق طهته، وكل درس لطفلك علمته وكل ليلة سهرت فيها تمرضك أو تسعدك، ما هكذا تحتسب نهاية الخدمة يا من يفقه جيداً فنون المال، ولك في عقود الطلاق في الغرب خير مثال. وضعت القوانين لضبط الخارجين عنها، ولله المثل الأعلى، مؤخر الصداق ليس نهاية خدمة لمن فقدت صلاحيتها لدى زوج ناكر للجميل، بل ضابط لمنع العبث بحياة من منحتك عمرها وشبابها وحبها.. فلماذا يفضل كثير من الرجال تطبيق القوانين بحذافيرها عندما تختصر لهم في ظرف حقوق من منحتهم عمرها؟ ولماذا تنسون الفضل بينكم؟

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر