5 دقائق

اذا زحف البعير أعيته أذناه

خالد الكمدة

إلى زاوية بعيدة في المجلس يسير على وهن، كأنه يريد أن يختبئ بين الرفاق. يحرص على ألا يغيب في أي مساء ولكن حضوره أشبه بغيابه، تكلله الهموم كباقة من خزامى وفي أجوبته المختصرة حكايات كثيرة لا تروى. يأبى سالم ومن دون تفكير دعوة أصدقائه إلى رحلة برية في عطلة نهاية الأسبوع.. لا يمكنه أن يتغيب عن المنزل أكثر من ساعة مسائية يوقع بها حضوره في المجلس الأقرب إلى المنزل. يرفض عرضاً مغرياً من جاره الثري لتمويل مشروع رابح يستثمر خبراته.. لا يستطيع أن يلتزم بساعات عمل إضافية مهما كان مردودها محفزاً. يعتذر لأخته في رسالة نصية عن زيارة زوجها المريض.. أصابعه باردة مرتعشة على أزرار الهاتف، وتمر به سكينة عابرة بعد أن يتسلم ردها «مرخوص».

«إذا ابتسمت، تنفس كل من في البيت الصعداء، وإذا انخفض صوتها مرة في يوم مقمر توجس الجميع خيفة مما سيأتي بعد».

يعيش سالم مع زوجة أشبه برئيس أركان، لا تقبل نقاشاً لقراراتها ولا فهماً خاطئاً لتعابير وجهها، إذا ابتسمت، تنفس كل من في البيت الصعداء، وإذا انخفض صوتها مرة في يوم مقمر توجس الجميع خيفة مما سيأتي بعد، مزاجها أشبه ببحر لا تعرف متى سيهيج، وحبها خانق إلى درجة الشلل. وكما يفطم طفل في الثالثة عن زجاجة الحليب، هكذا فطم سالم عن الحياة الاجتماعية، ليس انسجاماً مع الأوامر ولا تنفيذاً للقرارات، بل بحثاً لنفسه ولأطفاله عن السلام، وخوفاً من زوابع غير متوقعة تأتي في أي زمان ومكان.

ما هكذا تقاد الإبل، أن يكون سالم مسالماً ومحباً وحنوناً وحريصاً على تماسك أسرته ومستقبل أطفاله، فهذا ليس ضعفاً بل قوة، فلماذا تنهكينه بالمتاعب؟

أن تكوني سيدة المنزل، لا يعني أن البقية دمى متحركة، ينامون ويلعبون ويضحكون بإرادتك، ويغضبون ويكرهون ويحبون على مزاجك، أن تكونين محور حياة زوجك وأميرة أيامه لا يعني أن تتعبيه لإرضائك، وأن تأسريه داخل أسوار سجيتك، لا يعني أن تروضيه لتصبح قراراته مرآة لمزاجك وتصرفاته ترجمة لأهوائك، أن تكوني ملكة تأمر فتطاع في حياته، لا يعني أن يصبح هو حاجباً، لأنك لن تكوني ملكة متألقة ما لم تدم لكِ مملكته، أو إذا تصدعت جدرانها، ولأنه لن يقوى على حماية عرشك ما لم يعد قادراً على حمل همومه، ولأن البعير إذا زحف أعيته أذناه.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر