5 دقائق

عروس عند الطلب

خالد الكمدة

«انظر إلى هذه الطفلة يا راشد، ألا تعجبك؟ أليست كعرائس الرسوم المتحركة..؟»، ينظر الطفل ذو الأعوام الثلاثة إلى قطعة اللحم الملفوفة بشراشف وردية عليها أزهار وصور قطط ملوّنة.. يومئ برأسه.. «ستكون لك ولن يحظى بها أحد غيرك..».

تتابع أم راشد محدثةً طفلها وهو يلتقط قطعة حلوى من الصواني التي تملأ الغرفة، ويركض ليلعب في الخارج مع رفاقه. أكثر ما يشغل بال راشد هو هذه الكمية الكبيرة جداً من الحلوى المتاحة للجميع، لا يحتاج لأن يخبئ شيئاً في جيوبه، فيمكنه العودة كلما أراد، وهذه التي أسموها «شيخة» لا أسنان لها لتأكل وأصابعها مقيدة داخل قماط.

«خُتمت الطفلة بختم (سلعة عند الطلب)، وبعد أن (حيرتها) عمتها بات عليها أن تقضي حياتها بانتظار أن ينظر راشد في أمر زواجه بها، وأن يقرر متى سيكمل الاتفاقية».

هكذا بدأت قصة شيخة وراشد، خُتمت الطفلة بختم «سلعة عند الطلب»، وبعد أن «حيرتها» عمتها بات عليها أن تقضي حياتها بانتظار أن ينظر راشد في أمر زواجه بها، وأن يقرر متى سيكمل الاتفاقية التي وقعتها أمه بالأحرف الأولى.

كم هي رثة ومهترئة أوراق هذه الاتفاقية وكم هو غثٌ وواهٍ نصها، ومن قال بأحقية أيٍّ كان أن يرهن حياة إنسانة من لحم ودم برغبة آخر، لا ذنب له هو الآخر بهذا الرهن المجحف، وأن يرسم لروحين حرين طريقهما كما يشاء وقتما يشاء بغير رضا أو رغبة أو إرادة منهما؟

مدهش إلى درجة الوجع، أن تجد في واحدة من أسرع الدول تقدماً وقرب أكثر الأبراج علواً وبين أسعد نساء العالم، من حيرتها عمتها أو زوجة خالها لتظل سلعة لابنها عند الطلب، إن شاء أخذها وإن قوي هو على كسر قيوده وانطلق على حصانه الأبيض بعيداً أو مع أخرى ظلت هي مربوطة بحبل، إلى وتد موروث بالٍ، لا علاقة له بدين أو أخلاق، تراقب من يمر بها من فرسان على أحصنة سوداء وحمراء وبيضاء، وتألم لأن يد أحدهم لن تصل إلى قيدها فتفكه.

يفضل معظم الشباب والشابات أسلوب الزواج التقليدي، وهو ما يضم اعترافاً ضمنياً منهم بأهمية وضرورة الرضى التام لأسرهم عن شريك حياتهم المستقبلي، ومثلهم شيخة وراشد، غير أن الفرق بين الزواج التقليدي والحجز الاحتياطي بمسمى «محيرة»، كبير وشاسع، ليس لأن الأخير يسلب من الفتاة كما من الشاب الرأي والإرادة، بل لأنه يفتح للعبث بحياة الآخرين باباً، ويمنح بسلطة القرابة صك تملك غير مشروط لمن سيهمله حكماً بعد أن جاءه على طبق مزخرف ومن دون أن يطلبه.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر