5 دقائق

نوخذة برائحة البخور

خالد الكمدة

هاتان العينان المكحلتان بالإثمد، وهذا الثوب المطرز بألوان قوس قزح، كلها لم تتغير ولن تتغير عندما تقلب الصفحة. تبقى البطلة بجمالها وأنوثتها ورقتها، حتى إن قفز الفارس مع خيله من قصة حياتها، تبقى النخلة شامخة وإن تحركت القافلة، ويبقى ثمرها طيباً مباركاً حتى وإن لم يجد من يقطفه.

قدراً كان أم اختياراً، تركن جلّ النساء إلى زاوية منعزلة في نفق أحزانهن المعتم، بعد تجربة زواج غير موفقة، يضعن حولهن حواجز صنعها الخيال أو الخوف، يغمضن أعينهن حتى لا يواجهن الغد، غير مدركات ما قد يحمله من ضوء ودفء وسعادة ونجاح.

«الأخذ بيد مَنْ تعثرت بزواج فاشل غير ممكن، إن لم تمد هي يدها لتحصل على العون».

تجاوز المجتمع اليوم، بخطوات كبيرة، وبما فرضه الواقع، تحفظات سادت في عصر انغلاق مجتمعي حول المطلقة، تخلص من طروحات وهمية لا تستند إلى دين ولا منطق، وبدأ العمل بجدّ لإنصاف شريحة بقيت معزولة عقوداً طويلة، يشار إليها بغمز ولمز. انقشع الضباب وبدأت الشمس تشرق من جديد، لتصل إلى زوايا وحدتهن، وتعقد لهن مع الحياة اتفاقية مصالحة تُمحى بها العثرات وتحل بها العقد، لكن كيف للضياء أن يصل إذا لم تفتح المرأة عينيها لتراه؟

اليوم وقد تجاوزنا القضية الأعقد في حياة المطلقة وهي إدماجها بشكل طبيعي في المجتمع، بقي لدينا أن نقنعها بذلك، بقي لدينا أن نقنعها بقوة المارد الكامن في أعماقها وقدرته على القيادة والتألق والنجاح، بقي لنا أن نعينها ونمكنها مادياً ومعنوياً ونفسياً ومعلوماتياً بقدرتها على لعب دور أكبر من دور «المجدمي»، وبأنها قادرة على أن تكون «النوخذة»، على أن تقود السفينة بين الأمواج المتلاطمة، وعلى أن تصل بها إلى بر الأمان، قادرة على أن تمسك الدفة لا يعيقها في ذلك زخارف ثوبها الملون ولا رائحة بخورها الذكية، ولا ملمس أصابعها الطري.

الأخذ بيد من تعثرت بزواج فاشل، غير ممكن إن لم تمد هي يدها لتحصل على العون، والعون غير مجدٍ إن لم تدرك هي أنها لاتزال وستظل ذخراً لأهلها وأبنائها ووطنها، وأن عليها أن تُطلق الماضي بأحزانه وأتراحه، وتنظر إلى كل فرص الفرح والنجاح والتميز، التي تقف بانتظارها في نهاية نفقها المظلم، وأن تتصالح مع الحياة والمستقبل وتعمل لهما.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر