كل جمعة

أصدقاء «داعش»

باسل رفايعة

ربما كان ينقصنا فعلاً تنظيم داعش حتى نرى كيف تنعكس صورتنا في الظلام بهذا الوضوح والتشوّه، حيث يتكسر الضوء في التفاصيل، وحيث تفشل اللغة في الوصف والإدراك. كان ينقصنا أن نحصد الشوك، لنرى أية بذور زرعناها منذ أكثر من ألف عام، وجلسنا ننتظر موسمها، فإذا هو دم ورؤوس مقطوعة وأجساد مرجومة بالحجارة والأحقاد.

كنّا نحتاج دولة للخرافة، ورجالاً مدججين بموروث دموي، لكي نقرأ إرثنا الثقيل بالأخطاء والخطايا، لم نسابق أحداً، ولم نحزن على الخسارة، وضعنا القلم، ولم نكتب كلمة واحدة سوى ما نحفظ، ثم يا للدهشة، فكل ما نحفظ لا يصلح أن يكون كلاماً نفهمه نحن، قبل أن ننادي به على الآخرين.

«كنّا نحتاج دولة للخرافة، ورجالاً مدججين بموروث دموي، لكي نقرأ إرثنا الثقيل بالأخطاء والخطايا، لم نسابق أحداً، ولم نحزن على الخسارة، وضعنا القلم، ولم نكتب كلمة واحدة سوى ما نحفظ».

إذاً، هذا هو «داعش»، كراسة ملخصة تماماً للكوابيس والمنامات العميقة، كل صفحاتها مكتوبة باليقين، ولا ظنون من أول كلمة في السطر، ومن كان في بعض شك فليفتح نصف عين فقط ليرى كيف أفاقت دولة الخرافة في العراق والشام من نومها الذي كان في بيوتنا ولغتنا وكتبنا ومدارسنا وفصامنا، وقالت بصوت عالٍ: تعالوا لأُعيد لكم الدرس القديم، وهو درس محفوظات، لا يقبل نقاشاً، ولا أسئلة.

كثيرون منا لم يخيّبوا ظن «داعش»، وأصبحوا بسرعة مدهشة أصدقاء له، حتى قبل أن تبدأ طائرات التحالف الدولي في ضرب الهمج، مع أن التنظيم فعل كل ما في وسعه حتى لا يكون له صديق. ولكن كان هناك بيننا دائماً من يجد مبرراً لجزّ الرؤوس، والإعدامات الجماعية، واغتصاب الأطفال، وسبي النساء.

نعم، أصدقاء «داعش»، ولا ينقصهم تجمع واسم رسميّ، فهم منتشرون على امتداد العالمين العربي والإسلامي، وعلى شبكة الإنترنت يتكثف حضورهم لدعم التنظيم وتسويق وحشيته، يجادلون دائماً بأن قتل السوريين والعراقيين والأكراد والصحافيين ليس غير ردّ مشروع على جرائم إسرائيل وأميركا، يتدرّعون بخطاب استقوائي مريع، ولا أسهل من تكفير من يقول بأن فرض الجزية على مسيحيي الموصل عمل إرهابي في القرن الحادي والعشرين.

بعضهم منتسبون إلى تنظيمات الإسلام السياسي، من أولئك الذين ألحوا في إقناعنا بأنهم باحثون عن دولة مدنية عبر صناديق الاقتراع، فإذا بهم محترفون في التقية والخداع، وإذا بخلافهم مع «داعش» لا يتعدى تفاصيل إجرائية على الرجم والجزية والسبي، وبعضهم يساريون، ولا غرابة، فاليسار العربي يعاني عماءً عمره من عمر السقوط غير المؤسف للاتحاد السوفييتي.

أصدقاء «داعش» مذهبيون يسوّغون وحشية التنظيم بوصفها رداً مقبولاً وضرورياً على فظائع نوري المالكي. التسويغ لا يصلح للجدل، ولا يصمد أمام مثال بسيط عن أكثر من 500 إنسان، من قبيلة «البونمر» العراقية السنيّة، أعدمهم همج «داعش» في الأيام الماضية في طريقهم البربري نحو دولة الخرافة التي لن تقف عند حدود أوروبا، كما يُهلوسون.

من يظن أن «داعش» بلا أصدقاء، ليبدد ظنه سريعاً بمشاهدة أي من جرائم الهمج على «يوتيوب»، ليقرأ التعليقات على نحر الصحافيين، أو رجم النساء، ليستمع إلى وجدي غنيم، وعشرات المؤيدين لـ«داعش»، وهم يبيعون الأكاذيب في سوق تكتظ باليائسين من عامة الناس، ويغسلون أدمغتهم بأكثر الأفكار انحرافاً ومرضاً.

«داعش» سينتهي على الأرض أسرع مما يتوهم أصدقاؤه، فقد نجح العالم على مرّ العصور في القضاء على الأوبئة، والمهمة التي تنفذها الطائرات والصواريخ هي الخيار الأفضل والوحيد، وبعد الكارثة، ينبغي أن نرتّب هذه الفوضى، ونتواضع أمام الحضارات العظيمة، ونبدأ في تنظيف عقولنا من الاستعلاء والجهل والأساطير.

أليست «النظافة من الإيمان»؟!

brafayh@ey.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر