5 دقائق

أسر طوعي

خالد الكمدة

«السعادة لا ترحل مع أحد، أخبروا الراحلين بذلك»، نلتقي بالآخرين بغير إرادة منا، نولد بغير إرادة، وفي وقت مبكر يبدأ حفل التعارف، هذا هو خالك، وتلك عمتك، وهذه ابنتها الجميلة. ذاك هو جارنا الذي لا يمكن لك أن تغضبه، بيته هو الأكبر في الحي، ولدى كل من أبنائه منزل مستقل، وستكون زوجاتهم بلا شك محظوظات. قدر هو أم مسببات، هكذا تسير الأمور، لا نلتقي بمن حلمنا طويلاً بلقائه، يزور حياتنا من لهم أدوار فيها، ويرحلون لأن أدوارهم انتهت وليس لأن حياتنا انتهت.

في نهاية ساعات الدوام، تسرع مريم لإنهاء أعمالها العالقة حتى لا تتأخر في الانصراف، تأبى أن تتوقف لحديث جانبي مع زميلاتها عند المصعد، ترفض دعوة لتناول الغداء مع صديقات الدراسة، تشعر بالضيق لأن الشارع مزدحم، تنظر إلى ساعة السيارة مرات ومرات، وتدرك وهي تدخل المنزل أن موعدها مع الفراغ لن يتأثر.

«في مجتمع داعم للمرأة، حامٍ لحقوقها، كمجتمعنا، لا نرضى بهجر مؤلم يتجاوز الهجر التأديبي الذي وضعه الدين جسراً للإصلاح».

مكبلة بذكرياتها، مأسورة خلف قضبان زواج مهترئ، ترتدي في النهار ثوب الزوجة لتسير به في الطرقات، وفي المساء تداعبها خشونة الوحدة. تعيد مسح جراحها في أول كل ليلة، وتظل بقية الليل تراقب نزيفها وتكفكف دموعها، غير مدركة أنها أكثر إساءة لنفسها ممن رحل.

لا شيء يسوغ للزوجة سكوتها على هجر غير مبرر، لا حاجة تدعو النساء للتمسك بدور الضحية والبكاء على الأطلال عقوداً وسنوات، لا عذر يقبل لامرأة ترضى بدفن ما تبقى من حياتها مع ظل رجل، لا ينبغي لأنثى أن تضع مفاتيح سعادتها في جيب من شغله الرحيل وانتهى في حياتها دوره.

في مجتمع داعم للمرأة، حامٍ لحقوقها كمجتمعنا، لا نرضى بهجر مؤلم يتجاوز الهجر التأديبي الذي وضعه الدين جسراً للإصلاح، لا نقبل بأن تتصدق زوجة بسنواتٍ كثيرة من عمرها لمصلحة أطلال رجل لن يأتي، لا نحب فرط عقد الزواج ولا ندعو ‘ليه، لكن منهجنا الإمساك بالمعروف والتسريح بإحسان، وإذا ما آن الأوان لوضع نقطة في آخر قصة زواج، فلا معنى لأن تستمر حكاية البؤس والأحزان، ولتقلب الصفحة، حتى تكتب حكاية جديدة بألوان جديدة وأدوار جديدة.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر