أبواب

المخفر الداخلي

خليل قنديل

من علامات المواطن العربي التي تميزه محلياً وعربياً ودولياً أنه يمتلك مخفرية خاصة، ومراقبة ذاتية تكون واضحة في مجمل مسلكياته، وهي طبيعية ورادعة؛ إذ لا يمتلك السجية العفوية في التعامل مع الحياة أو مع اشتراطاتها أو تفاصيلها إلا إذا تريث في ردة الفعل، ذلك أن ردة الفعل هذه هي الوحيدة التي تضعه في منطقة الأمان.

الذاكرة الضغائنية هي جزء من إرثنا الثقيل في تسيد الممنوعات وتكريسها، أو حتى تأبيدها على مستوى الشخوص.

يتقبل الطفل العربي كل هذه الإيماءات كقائمة ممنوعات يتلقاها الصبي العربي على شكل إشارات تبثها الملامح الأبوية الرادعة، أو الملامح الأمومية أو حتى الإخوة والجيران.

والسلطة العربية باتت تعرف بفعل التزامن الدهري مع ابنها العربي ألا تأخذ بوح المواطن العربي على محمل الجد، ذلك أنه لم يعرف العين الحمراء بعدُ ولم يستدل على الممنوعات والمحظورات.

فالمواطن العربي الحق يفترض أنه تعرف إلى قائمة الممنوعات الخاصة به ابتداء من غرفة نومه وساحة بيته وشارعه وجيرانه ورفاقه، وأن العقوبات التي تعرض لها جسده من صفع ولكمات وكدمات كانت كافية لنزع مصل الحرية من جذوره.

فهنا يتقبل الطفل العربي كل هذه الإيماءات كقائمة ممنوعات يتلقاها الصبي العربي على شكل إشارات تبثها الملامح الأبوية الرادعة أو الملامح الأمومية أو حتى الإخوة والجيران، وهي شارات تبثها ملامح الوجه، فأن يوسع الأب من حدقتي عينيه فهذا يعني التوقف وعدم الاستمرار بالهرطقة المسلكية، وحين تقبض الأم على شفتها السفلى وتلوح بإصابعها فهذا يعني التوقف الفوري عن الكلام، وحين يلوح المعلم بعصاه داخل الفصل المدرسي فهذا يعني الشروع في استعمالها مرشداً للمسلك الصحيح.

فالمهم أن يستدل المواطن العربي بفعل التحذيرات المتنامية معه تربوياً، وتكون بالنسبة له تحذيرات تضعه على طريق المسلك الصحيح الذي لن يقود العائلة إلى الفضيحة التربوية.

والحال؛ فإن عدم المواظبة على قائمة الممنوعات التربوية يفضي إلى الإعلان الجمعي بفشل هذا المواطن، وعليه بالمقابل أن يمضي عمره وهو يسدد فواتير هذا الخروج عن الطوق.

وأنا مازلت أذكر مدير مدرستي الإعدادية الذي استوعب كل شقاواتي حينما التقاني بعد سنوات من هجر المدرسة، وقال لي ممازحاً: قد أصدق كل شيء يا خليل إلا فكرة أن تكون كاتباً، فما كان مني إلا أن قلت له: وهذا يفسر نظرتك البعيدة في التربية والتعليم.

إن مثل هذه الذاكرة الضغائنية هي جزء من إرثنا الثقيل في تسيد الممنوعات وتكريسها أو حتى تأبيدها على مستوى الشخوص. وبهدف التوضيح نقول إن مثل أصحاب هذه الذاكرة يقومون بتحويلها الى ذاكرة متنقلة تظل مع صاحبها حتى الموت، وهي تستولي على رؤاه وتحكم مسلكياته.

إن جيلاً كاملاً كان قد تم تكميمه عربياً، وهذا الجيل مازال يدافع عن سوء فهم مزمن.

وكان الله بالعون.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر