5 دقائق

من عمل صالحاً فلنفسه

خالد الكمدة

منذ بداية تعيينه، وبعد مرور سنوات خمس أو عشر، لا يشغل بال الموظف شيء أكثر من مواعيد ترقيته، نسبة ضئيلة هي للأسف من تعمل لتحصل مؤسستها على ترقية، وأقل منها من تعمل بجد وإخلاص وأمانة، لا لشيء إلا ليحصل المجتمع على ترقية.

من الواضح أن كسر «الأنا»، يتطلب عزيمة وصدقاً، فهي كانت ولاتزال أكبر طوق يقيد الإنسان ويثقله عن الانصهار في «نحن»، وبأغلال «الأنا» تربط المجتمعات، وتقعد عن التقدم، وإن كانت هي محظوظة بمن يدفعها للأمام دفعاً، تجدها تسير متعبة منهكة ولكن مبتهجة.

كسر «الأنا»، يتطلب عزيمة وصدقاً، فهي كانت ولاتزال أكبر طوق يقيد الإنسان ويثقله عن الانصهار في «نحن».

في سفوح جبال براكين الحضارة، تدفقت علينا المعاني والأهداف وأصيب بخلل ما، مؤشر البوصلة لدى الكثيرين حتى باتت الوسيلة في كثير الأحيان هدفاً، وغُيب القصد أمام ما يمكن التقاطه من عطايا على طريقه. تصدر الراتب ميزات الوظيفة، وغاب عن قائمة الميزات جوهر إعمارها للأرض.

في كل مؤسسة وهيئة أو دائرة، تجد من يعمل في كل الأماكن أو خلف الكواليس، يُعرف حيناً ويخفى أحياناً، يجتهد بلا كلل مدفوعاً بشغفه لإسعاد الآخرين زملاء وعملاء ومديرين، ليست الصورة لديه جلية حول هدفه الأعم ولكنه يتبع بفطرته منهج الإعمار. وفي زاوية أخرى تجد أفراداً ومجموعات يؤرقهم إعداد تقارير عن إنجازاتهم وإطالتها وإسهابها بكل التفاصيل المملة لتبدو أكبر وأجمل وتستحق المكافئة.

جميعهم مبدع، ولكن كل على طريقته، جميعهم يحلق بأجنحة الحرية التي منحت له، ولكن انقطع بعضهم عن جذور المسؤولية التي تربطهم بمجتمعهم وبالآخرين، جميعهم نجم متألق يدور بعضهم حول أنفسهم ويدور آخرون حولنا، فيضيئوا ويبعثوا الدفء.

في مجتمع فتي كمجتمعنا، تنتقل المحبة بالعدوى، ومثلها يجب أن ينتشر الإحساس بالمسؤولية، علينا أن ننظر إلى الصورة من زوايا مختلفة ونرى أبعاداً جديدة لما نظنه يندرج في قائمة خدمة المجتمع، علينا أن نرسم خطوطاً فضية أنيقة لما يربطنا بهذا المجتمع وكيف يصلنا صلاحه إن صلح، ويدركنا مرضه إن هو توعك، علينا أن نرسخ في أنفسنا وموظفينا وأهلينا عمق العلاقة الطردية بين صلاح المجتمع وصلاح أحوالنا، بين تحسن أحواله وجودة حياتنا، بين رقيه وترقيتنا، وبأن كل عمل نعمله لخدمته وتطويره هو لأنفسنا، علينا قبل أن نحلق عالياً كنجوم منعمة في سماء من الحرية، أن نلتحف مسؤولياتنا مدركين أن سطوع النجم لا يراه إلا كوكبه.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر