أبواب

في الكتابة وأهدافها

يوسف ضمرة

لماذا لا يتوقف الكاتب عن الكتابة؟

علينا أن نسأل هذا السؤال، فيما لو ظننا لوهلة أن الكاتب لديه تماماً ما يقوله. أو ـ للدقة ـ يعرف جيداً ما يريده من كتابته.

هذا الكلام سيثير ردود فعل مستنكرة ربما؛ فما من أحد يعتقد أن الكاتب ليس لديه ما يقوله. لكني مسبقاً وضعت كلمة «تماماً» درءاً لمثل هذه الردود أو تحسباً لها. ومع ذلك فإنها لن تكون كافية تماماً أيضاً.

يبدأ الكاتب رحلته ـ وظيفته الجديدة ـ بتصحيح الخطأ، ولكنه لا يتوقف، فتصحيح الخطأ يعني تخليص الوجود من فوضاه.. لقد قيل قديماً إن الكتابة معنية بتغيير العالم.

الكاتب كالممثل الذي يحاول كل ليلة إضفاء ملمح لافت إلى صورته.

يعتقد بعض النقاد أن لدى الكاتب كتاباً واحداً، وأن بقية ما يكتبه ليس سوى إعادة صياغة لكتابه الوحيد. وربما تجد مثل هذه المقولات صدى لدى البعض، خصوصاً أن بعض الكتاب يبدون كذلك في كتاباتهم. فربما كان ينبغي لكاتب مثل محمد شكري أن يكتفي بروايته الأولى «الخبز الحافي»، ولكاتب مثل نجيب محفوظ بثلاثيته، ولكاتب مثل ماركيز بـ«مائة عام من العزلة».

ولكن هذا لن يكون مفيداً، لأن الكتابة فعل مغاير؛ إعادة صياغة للحياة. وربما إعادة صياغة للنص الأصلي ـ الوجود ـ بما يتناسب مع الفكرة الجديدة التي استلهمها الكاتب عن الوجود نفسه.

تقول الدكتورة بلقيس الكركي في كتابها الجديد «إرادة الكتابة»: إن الكتابة تصحيح خطأ.

وإذا كان ذلك كذلك فمن الذي أوهم الكاتب أنه قادر على أن يفعل ذلك؟ أن يقوم بتصحيح الخطأ؟

يبدأ الكاتب رحلته ـ وظيفته الجديدة ـ بتصحيح الخطأ، ولكنه لا يتوقف، فتصحيح الخطأ يعني تخليص الوجود من فوضاه.. لقد قيل قديماً إن الكتابة معنية بتغيير العالم. وقد فهم البعض هذا الكلام على أنه محاولة من الكاتب لتحقيق العدل ورفع الظلم مثلاً. وقد يندرج هذا في عملية «تصحيح الخطأ» ولكنه مطلقاً ليس العملية كلها.

سيظل الكاتب يحاول ويحاول، وهو يظن دائماً أن لديه شيئاً من النقصان. إنه الممثل الذي يظهر كل ليلة على المسرح، ولكنه، وعلى رغم حفظه دوره جيداً، يحاول باستمرار أن يتدارك ما اعتبره هفوة في عرض سابق، أو يحاول إكساب صورته مزيداً من الجاذبية. إنه يفعل ذلك في كل عرض، لأن هنالك جمهوراً يراه ويسمعه. تركز الدكتورة بلقيس على هذا الحضور في رأس الكاتب. إنه ينسج صورته بدأب ومن دون ملل. فلا معنى للكتابة من دون قارئ. لا لكي يفهم أو يتعلم، وإنما لكي يراك في صورة تحبها، مختلفة عن الصورة النمطية التي تشبه صور الآخرين. فما معنى أداء الممثل الخارق من دون جمهور؟ وما قيمة تمثال فاتن من دون جمهور يراه ويتلمسه ويتحسسه؟ وفي كل هذا لابد من محاولات تفسير، سواء أراد الكاتب أو لم يرد.

فلنعد إلى البدايات قليلاً، فقد بدأ الشعر بالتراتيل. لماذا؟ لدرء مخاوف الإنسان عن عالم غامض ومصير أكثر غموضاً. فلماذا بدأ السرد في تقليد التاريخ؟ أجل هو يفعل ذلك بصورة أو بأخرى. إنه يخترع شخوصاً ووقائع ويوهمنا أنها حدثت وأن أشخاصها حقيقيون، إنه لأمر بالغ الخطورة حين النظر إليه من زاوية جديدة، لكن ما الذي يفعله الكاتب بهذه الشخوص؟ إنه ببساطة يمنحها شكلاً مرتباً؛ شكلاً بعيداً عن الفوضى والارتجال، السمتان اللتان تميزان الواقع وتطبعانه. هذا الأمر هو الذي يجعل الكاتب كالممثل الذي يحاول كل ليلة إضفاء ملمح لافت على صورته.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر