5 دقائق

ماركة!

د.عبدالله الكمالي

أصبح الهوس بالماركات أمراً شائعاً عند بعض الناس، فتقييم الآخرين يكون على أساسها، فقد يذمون من يلبس الساعات المتواضعة، أو من يكتب بأقلام عادية، أو من تحمل حقيبة يدوية رخصية، بل يتصور بعضهم أنه سيكون سعيداً لو رآه الناس وهو يملك الأشياء الغالية التي لا توجد عند الآخرين، وهذا الهوس أمر غير محمود، فليس الكلام عن تحريم شراء الملابس والساعات الفاخرة أو الحقائب الجلدية الغالية، فمعاذ الله أن أحرّم شيئاً لم يحرّمه الله تعالى ولا رسوله، صلى الله عليه وسلم، لكن الكلام عن التعلق بمظاهر أدت إلى وقوع بعض الناس في التفاخر والمباهاة، فهذا هو الأمر القبيح، بل قاد هذا التعلق بهذه الأمور الثمينة بعض الناس إلى شراء الساعات والأقلام والحقائب المقلّدة، ووضع صورها في مواقع التواصل، لكي يعلم الجميع أنهم يلبسون الماركات! ولو تعمقنا في المشكلة أيضاً لوجدنا أنها أحدثت صدعاً في بعض البيوت، فالزوجة تطلب من زوجها أن يتشري لها الساعة الفلانية، مع أن سعرها مرتفع جداً، فيرفض الزوج، لأن ميزانيته لا تكفي لشراء الساعة، فتفهم الزوجة أن زوجها لا يحبها، وأن فلانة التي أحضر لها زوجها تلك الساعة هي المحبوبة عند زوجها، وهنا تعظم المشكلة وتكبر، بل مرت عليّ قصة غريبة، وهي أن امرأة عاقلة تريد من زوجها أن يجمع شيئاً من المال كي يتمكنوا من شراء منزل، وتشتكي أن زوجها يفني ماله في تتبع مثل هذه الأمور دون النظر في حاجة أبنائه وأسرته! وعندما أرى تعلق بعض الناس بمسائل الماركات وخروجهم على المألوف فيها، أتذكر، والله، أحوال بعض الناس في بلدان فقيرة، يعيشون في فقر عظيم، لا يعلم به إلا الله، ويسكنون في بيوت الصفيح، التي لا تقيهم برد الشتاء ولا حرّ الصيف، ولا يعرفون شيئاً عن هذه الماركات، ولا تخطر ببالهم أصلاً، ونجد حال بعض الناس عندنا في جانب آخر تماماً، فيكاد التعلق بهذه الزينة ينسيهم فقر الفقراء وضعف المساكين، فمن الخطأ أن تكون الدنيا أكبر همّ الإنسان ومبلغ علمه، بل كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يحذّر هذه الأمة فيقول: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم»، فمن الناس من يكون التفكير بالدنيا هو شغله الشاغل، فهنا لابد أن يتوقف الإنسان مع نفسه قليلاً.

من الخطأ أن تكون الدنيا أكبر همّ الإنسان ومبلغ علمه.

إن لبس الأمور الجميلة والماركات أمر جميل، إن تيسر ذلك للإنسان، ولكن الخطأ أن نختلف لأجل هذه الأمور التافهة، أو تنسينا مظاهر الدنيا أنين الفقراء وألم الضعفاء، أو تدفعنا هذه الماركات إلى التكبر على الناس ونسيان أن الدنيا لن تبقى لأحد.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

D_alkamali@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر