أبواب

معارض الكتاب

يوسف ضمرة

في معارض الكتب كلها، ثمة تواطؤ غير معلن أو غير مكتوب بين دور النشر العربية كلها، هذا التواطؤ يتعين في نوعية الكتب وفي أسماء الكُتاب؛ بات الأمر مكشوفاً إلى حد صارخ. فدور النشر التي يدِّعي أصحابها محبة الثقافة والترويج لها وتشجيع القراءة، هي في حقيقتها مؤسسات تجارية، لا تختلف عن مؤسسات معنية بالسلع الأخرى.

من حق هذه الدور أن تبيع، وأن تتربح أيضاً، لكنها في جوهرها تشارك الإعلام لعبته نفسها؛ لعبة ترويج النجوم في الثقافة والأدب. فالكتب التي يتم إبرازها وبأغلفة جميلة ولافتة، هي مؤلفات ذائعة الصيت لكتاب أعلام دخلوا كل بيت بكتاب، أو من خلال برنامج تلفزيوني. ومن الصعب أن نعثر على دار نشر تغامر بأسماء ليست نجوماً في عالم الكتابة.

من حق هذه الدور أن تبيع، وأن تربح أيضاً، لكنها في جوهرها تشارك الإعلام لعبته نفسها؛ لعبة ترويج النجوم في الثقافة والأدب.

تقوم دور النشر بعرض الكتب الأكثر مبيعاً، من دون أن تكون معنية بمحتوياتها أو قيمتها.

ربما يحتاج الأمر إلى رعاية رسمية، أو مشاركة رسمية في هذا السياق، كأن تكون هنالك دور نشر وطنية، تتولى طباعة كتب لأسماء صغيرة الحجم والتأثير، تشارك في معارض الكتب أينما كان، فمعظم الكتاب المصريين خرجوا من دار الهلال، و«اقرأ»، والدار المصرية. وهي مؤسسات غير ربحية، تأخذ على عاتقها نشر ما تراه مناسباً للقراءة. أتذكر هنا أن دار الهلال كانت أول من نشر رواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» قبل أن تتلقفها دار بيروتية (ربما الآداب) بعد ذلك. أتذكر أن الهلال نفسها أيضاً هي أول من نشر رواية «الخيميائي» بترجمة بهاء طاهر، الذي وضع لها عنواناً فرعياً، فصارت «الخيميائي.. أو ساحر الصحراء». أتذكر كيف كانت دور النشر الممولة من حركات المقاومة الفلسطينية، وبعض الأحزاب، تنشر كتباً لأسماء لا نعرفها، سرعان ما أصبحت نجوماً في عالم الكتابة.

تقوم دور النشر بعرض الكتب الأكثر مبيعاً، من دون أن تكون معنية بمحتوياتها أو قيمتها، فإذا ما شاع اسم مثل «باولو كويلهو»، تجد منشوراته بطبعات مختلفة، وبأغلفة متغيرة، تتصدر الكتب المعروضة كلها، بينما تختفي كتب أمين معلوف وياسوناري كاواباتا ويوكيو ميشيما وجورج أمادو. تبدو المسألة مثل «موضة» الملابس تماماً. أما الكتاب الشباب أو الجدد، فلا عزاء لهم، فهم مضطرون للاقتراض أحياناً، لنشر رواياتهم أو قصائدهم، يدفعون تكاليف الكتاب كاملة لدار النشر، التي بدورها ليست معنية بعرض هذه الكتب المجهولة، لأسماء تبدو حركية أحياناً. فدار النشر تعرف أنها لن تبيع سوى القليل جداً من الكتب الجديدة، وهي تدفع أجرة المتر المربع بالعملة الصعبة، وتريد أن تخرج رابحة أو غير خاسرة في الحد الأدنى.

لا تشفع حفلات التوقيع لبعض الكتاب غير الأعلام لدور النشر، فهي في مجملها إكسسوار صار يلازم معارض الكتب أينما كانت، لابد من حفلات توقيع وندوات تتفق دور النشر مع القائمين على المعرض بشأن موضوعاتها وأسماء المشاركين فيها، ولابد أن تكون أسماء جذابة، وهو ما تتطلع إليه دور النشر، جذب أكبر عدد ممكن من المتابعين، ففي النهاية لن يخرج الزائر بيدين فارغتين.

قيل الكثير في معرض عمّان الأخير، الذي انفضَّ قبل أيام، تعرض الإعلام لسوء التنظيم، وقلة النظافة والارتجالية، لكن ما لم يُقل هو أن الكتاب تحول إلى منتَج تتحكم فيه شريحة من الناشرين؛ شريحة توشك أن تتحول إلى صاحب قرار في ما يجب أن نقرأ، وما لا يجب.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .   

تويتر