5 دقائق

ربِّ ارحمهما

د.عبدالله الكمالي

من أعظم القرب والعبادات التي جاءت لها الفضائل العظيمة: بر الوالدين، فمن أتى بهذه العبادة فقد حقق أمراً حث عليه ربنا في كتابه العظيم، وحث عليه نبينا، صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة، ولو تأملنا في الجهد الذي يبذله الآباء والأمهات في تربية الأبناء منذ صغرهم، وشدة محبتهم لأبنائهم، لعرفنا أن ما نقدمه لهم إنما هو جزء يسير جداً من حق الوالدين علينا، وثبت عن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، أنه رأى رجلاً يطوف بالكعبة المشرفة، وقد حمل أمه على ظهره في أثناء الطواف، ثم قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟، فقال له ابن عمر: لا، ولا بزفرة واحدة. ومن منا أيها القراء الكرام يستطيع أن يزعم أنه قام بحق الوالدين عليه؟! وأنه يبرهما كما أمر وحث الله تعالى؟! خصوصاً مع كثرة مشاغلنا في هذه الأيام، وقد ينزعج بعضهم من كثرة إلحاح والده أو والدته عليه في بعض المسائل، ولكن من أراد الجنة سعى لها وصبر على بر الوالدين، فمن أعظم أسباب دخول الجنة بر الوالدين، وثبت عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، قلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البر كذلكم البر وكان أبر الناس بأمه». فانظروا رعاكم الله إلى عظيم فضل وأجر بر الوالدين، ومن أعظم علامات رقة القلب: الرحمة بالوالدين، فالله تعالى يقول: ﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً﴾، ففي الآية تذكير بحق الوالدين عندما يكبران في السن ويكبر الأبناء أيضاً، فهم لم ينسوا من أحسن لهما في مرحلة الطفولة والشباب.

مَن عقّهما فقد فتح على نفسه باباً عظيماً من أبواب الشر والإثم.

إن الحديث عن بر الوالدين يذكرنا جميعاً بأننا مقصرون مع آبائنا وأمهاتنا، فالنصوص الشرعية عظمت جداً حق الوالدين، وحرمت علينا عقوقهما، فمن عقهما فقد فتح على نفسه باباً عظيماً من أبواب الشر والإثم، وأذكر مرة أني خطبت الجمعة عن بر الوالدين فجاءني شاب يشتكي إهمال والده وأنه لم يره منذ سنوات بسبب هجر والده لأمه، فسألني هل يلزمني أن أبر والدي؟ فقلت له: نعم يجب عليك أن تبر والدك مهما كان مقصراً، فخطأ هذا الوالد لا يقابل بخطأ آخر من الابن، وعندما نتكلم عن بر الوالدين فإننا نحث على ذلك لأن الله أمرنا ببرهما، فهذا حق أوجبه الله علينا، ومن برَّ والديه وإن كانا من أهل التقصير في التربية فاز بالأجر ورزقه الله بر أبنائه به إذا كبر.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

D_alkamali@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر