أبواب

الحرب العمياء

خليل قنديل

لأن العربي جلس على حافة التاريخ بانتظار أن يقطف حظه من الأيديولوجيا التي باتت تمزق العالم وتعيده إلى طفولته، فإن العربي الذي أحيط حيزه الجغرافي بالثورات المتلاحقة التي أخذت، دون وجه حق، ثورات الربيع العربي، فقد كان من الطبيعي أن يتلقف هذا العربي معزوفة الانقضاض على الإرث ومحاولة تخليق أنموذجه الثوري من وسط كل هذه الاعتراكات العمياء.

«وهكذا صارت اللحظة العمياء في اليقظة الدينية الاعتباطية تشكل بعبعاً حقيقياً للعواصم الغربية».

نعم، العربي الذي يجلس القرفصاء على حافة التاريخ اعتقد أنه بالإمكان ترقيص العالم بأفكاره التي أكل عليها الدهر البشري وشرب، فذهب عميقاً في خارطة السطح يبحث عن مرجعيته الدينية كي يؤجج أوارها من جديد، وعاد لينتقي نظام الخلافة، ويبدأ بمبايعة من سماهم الخلفاء الجدد، الذين أفرزتهم الجهات الإسلامية المتطرفة، كي يمنحهم سلطة الله في الأرض. ولهذا صرنا نرى بعض فلول الجهات الإسلامية المتطرفة وهي تستقبل خليفتها الجديد تاركة حتى الأطفال يبايعون الخلفاء الجدد، بوعي الارتباط والافتداء حتى الموت أو الحصول على الشهادة. والعربي الذي رصد مثل هذه المشاهد وسوقها على «اليوتيوب» لا يدري أن جهات دولية لا ترحم تراقب هذا التعامل العربي المُشين مع الأطفال ومحاولة إفساد براءتهم.

وفي ما يُشبه الوضع الخرافي، قام العربي بابتكار مصطلح وسماه جهاد المحارم، الذي يقتضي بأن تظل المرأة ترافق الجندي المسلم في كل غزواته ولا تقوم بشيء سوى الخدمات الجنسية للرجل الذي يمتلك مفاتيح الجنّة، والغريب أن مثل هذه المشهدية، الخاصة بمناخات ألف ليلة وليلة، قد أخذت مداها في الوجدان الخاص بالمرأة الغربية، فحصل نوع من الإقبال على مثل هذا النوع من الجهاد. وصار على المرأة الغربية التي تكدح ليل نهار كي تحصل على لقمة عيشها أن ترفس كل النعم التي تقدم لها من قبل الحضارة الغربية وتقبل على المجانية التي تمنحها الحياة مع الرجل المجاهد الذي يعفيها من كل شيء.

وهكذا فإن الضجر الكوني الذي يعيشه الرجل الغربي، وكذلك المرأة الغربية، جعلهما يجدان في ظاهرة التطرف الإسلامي ما يشبع ظمأهما ويحقق لهما الارتواء النفسي الذي لم تشبعه الديانات القائمة، فكانت هناك حالة من الإقبال الغربي صارت تتطلب استنفاراً اجتماعياً وحتى رسمياً في كل المحافل الغربية. ومؤتمرات ولجان مخابراتية جديدة همها محاصرة مثل هذه الظواهر قبل تفشيها.

وهكذا صارت اللحظة العمياء في اليقظة الدينية الاعتباطية تشكل بعبعاً حقيقياً للعواصم الغربية.

وصرنا نسمع عما كان يسمى بالفوضى الخلاقة وقد اتخذت شكلها الأميبي الجديد الذي لا يمكن توقع أشكاله المقترحة والجديدة. لترسم لنا كل هذا الرعب في احتلال الجغرافيا التي نقيم فوقها.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر