أبواب

القاتل مُنظِّراً أدبياً

يوسف ضمرة

عاموس عوز الروائي الإسرائيلي، الذي عرف بمواقفه وتحركاته لجهة تحقيق السلام مع الفلسطينيين، وعرف بمواقفه ضد الحرب على العراق، هو أيضاً الكاتب الذي أكد في سيرته «حكاية حب وعتمة» أن إسرائيل حلم تحقق!

لا يستطيع المرء قراءة عوز من دون معرفة خلفيته الثقافية والأيديولوجية والسياسية، وهو الذي دعا ببساطة إلى المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وزعم أن الشعبين ضحيتان، ونادى بضرورة حل مشكلة اللاجئين، لا من منظور إنساني وقانوني، بمقدار ما كان ذلك من منظور إسرائيلي، حيث يقول: إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تمثل قنبلة موقوتة، وقد صدق في هذه، ومقاومة غزة شاهد حي، ومن هذا الباب أدخل إلى ما كتبه عوز في كتابه النظري في القصة، فثمة الكثير مما يورده عوز من آراء يبدو مستهلكاً، لكن الأخطر هو ما يستنكره عوز من ضرورة أن يتضمن الأدب رسالة أو موقفاً أو ما شابه ذلك. ويستنكر الدعوات التي توجه إليه للحديث عن انعكاس الصراع العربي الإسرائيلي في الأدب، أو تأثير الانتفاضة الفلسطينية في الأدب، ويخلص إلى أن الأدب عالم قائم بذاته، ولا حاجة للبحث عن مثل هذه المواقف!

صحيح أنني من أكثر الناس حماسة إلى تحرير الأدب من وظيفة أو رسالة، لكن هذا التحرير الذي لطالما دعوت إليه، لا يعني أن الأدب كتابة أو فعل معلق في الفراغ، أو أنه مجرد ألعاب بهلوانية للتسلية وتزجية الوقت.

يستنكر عاموس عوز الدعوات التي توجه إليه للحديث عن انعكاس الصراع العربي الإسرائيلي في الأدب، أو تأثير الانتفاضة الفلسطينية في الأدب. ويخلص إلى القول إن الأدب عالم قائم بذاته، ولا حاجة للبحث عن مثل هذه الدروس والرسائل والمواقف.


الرواية، كما يقول بيرسي لوبوك في كتابه «صنعة الرواية»، هي صورة حياتية. وإذا كانت الرواية كذلك، فهذا يعني أنها تتضمن أفكاراً وآراء ومواقف وأيديولوجيات ومفاهيم ورؤى.

نحن ضد الوظيفة المباشرة للأدب؛ ضد أن يُكتب كي يقول شيئاً واضحاً لا لبس فيه، ذلك أن كتابة مثل هذه لا تعدو كونها مقولات وأفكاراً متداولة، أو فعلاً عاماً لا يرتبط بالأدب، ومفهومنا للأدب، بصفته عالماً قائماً قوي البنية حياً نابضاً فاعلاً ومؤثراً، لكن الرواية، كما يقول بيرسي لوبوك، أحد أهم النقاد في العالم، في كتابه «صنعة الرواية» هي صورة حياتية، وإذا كانت الرواية كذلك، فهذا يعني أنها تتضمن أفكاراً وآراء ومواقف ومفاهيم ورؤى، وإلا فما معنى أن تكتب رواية بشخوص وأحداث وحكايات، من دون أن يكون لهؤلاء الناس في الرواية حياة تشبه الحياة الحقيقية بشكل أو بآخر؟

إن كل من يعدّهم عوز أساتذة في فن القصة، من أنطون تشيخوف إلى غوغول وكافكا، لم يكتبوا أدباً من دون العثور على مؤشرات لمكامن الخلل القائم في البنية السائدة معرفياً وجمالياً، ولا أشك لحظة واحدة في أن قصص تشيخوف عالم قائم بذاته، لكنه هو العالم الحقيقي الذي يقترح تشيخوف علينا رؤيته من زاوية جديدة.

لا يقول لنا تشيخوف مباشرة إنه مع التغيير، وضد الظلم الواقع على البسطاء والمسحوقين، وضد الطبقة المستبدة في خلال كتابة شعاراتية أو منبرية، لكنه في الوقت ذاته يضعنا أمام هذه البنية القائمة، بعيوبها والسوس الذي ينخرها في العمق، فهل يخاف عوز الأدب الذي يبث الحياة في الناس، ويمدهم بالقوة والأمل؟ هل يخاف طرح أسئلة مازالت معلقة وبلا أجوبة؟ هل يخاف كشف الستار عن الحقائق التي تبدو مغيبة في معظم الأحيان عن عيون الناس؟ هل تشكل الهواجس الحقيقية والجوهرية للناس حافزاً على التغيير وتصحيح بعض الأخطاء التاريخية التي حدثت، وبدت لعوز وأمثاله حلماً تحقق؟ لا أعرف كيف يساوي عوز بين حلم تحقق والمطالبة بحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين! لا يبدو الأمر مقبولاً إلا من زاوية ضيقة تتيح للمعتدي والغاصب والمستعمِر أن يبدي الوجه الإنساني للعالم الذي يصمت على جرائمه وعدوانه وانتهازيته الفظة، وقد أثبت العدوان على غزة صحة ما نقول.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر