أبواب

الشهيد الفلسطيني

خليل قنديل

إن تكرار الفعل العدواني تجاه الشعب الفلسطيني، باعتباره الضحية الأولى لنشرات الأخبار وهو يدخل رقمياً في المزادات المتناوبة لتعداد الشهداء والتضخم بكل هذه الأعداد، صار له آلية طبيعية على أذن المواطن العربي، وحتى العالمي، بحيث أصبح استشهاد الفلسطيني تحصيل حاصل!! فمن غير الطبيعي أن تنفجر قنبلة تقتلع الأمكنة من جذورها وتتناثر الشظايا الأسمنتية والأثقال الحجرية فوق سكان المكان، وبغض النظر عن تنوعهم العائلي ولا يكون هناك الضحايا من الرضع الفلسطينيين ومن الأمهات الطيبات ومن الرجال.

«حرب غزة لم تنتهِ بعد وهي عندما يعلن عن انتهائها سيبدأ فصلها الأروع والأعمق، وذلك حينما تتحول إلى درس جارح في تعلم الانتماء والموت حد الشهادة».

وحينما حذر الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته «وتريات ليلية» قائلاً وهو يستشرف المستقبل العربي «سنصبح نحن يهود التاريخ وسنظل نعوي في الصحراء بلا مأوى» كان يشير الى المعاناة الفلسطينية والعربية تحديداً. والحال فإن العربي الفلسطيني صار كأنه قربان الاعتراك السياسي العالمي وقد تجذر هذا النهج في ادبيات الخطاب السياسي العربي الى الدرجة التي ما عاد يشكل قتل الفسطيني اية دهشة للمواطن العربي وحتى الفلسطيني فالمزادات المتناوبة في اعداد القتلى وتورم اعداد القتلى والشهداء صارت هي الديدن الذي يغلق علينا أفق المشهد.

وهنا يمكن الإشارة الى بعض الفضائيات العربية التي نزعت عن الفلسطيني صفة الشهيد مستبدلة اياه بصفة القتيل تحت عناوين صفاقة الحياد الإخباري العربي إلى درجة انه صار ينظر الى الشهادة الفلسطينية على اعتبار أنها حالة قتل مخبري.

وهنا علينا أن نستذكر شهداء إضراب عام الـ«36» محمد جمجوم وحجازي وكيف دخلوا في النحيب الغنائي الفلسطيني وكيف صاروا اغنية تتمزق لها نياط القلب وكيف وحينما صار الاستشهاد عادة يومية قلّ الاهتمام بهؤلاء الشهداء.

ان حرب غزة الأخيرة والتصاعد اليومي لأعداد الشهداء والقتل الجماعي المتعمد لأطفال غزة صار في تفاصيله جزءاً من الحرب النفسية على الشعب الفلسطيني والشهداء، والعمل على اعتبار الحادث البطولي الاستشهادي حالة مفرغة من مضمونها التراجيدي المؤثر.

وعليه فإن مقولة ان الحرب خدعة هي مقولة لم تفرغ من معناها بل بقيت تعاود حضورها المصمت في كل حرب، وتفعل ضجيجها النفسي في الروح. وسيكون على دارسي الحروب التمعن ملياً في شعب قرر أن يموت ويفنى من أجل وطنه، وسيكون عليهم ايضاً دراسة هذه الروح الوثابة الفلسطينية وكيف ان شعباً استطاع ان يحفر الأنفاق التي من الممكن أن تبعده عن عين محتل أرضه.

وسيكون على الباحثين دراسة هذا الإقبال العجيب على الموت والاستشهاد بكل هذه الرجولة النادرة، ودراسة هذا الصبر العجيب عند الأم الفلسطينية وهي تكفن العائلة وآخر العنقود بمثل هذا الصبر.

حرب غزة لم تنتهِ بعد وهي عندما يعلن عن انتهائها سيبدأ فصلها الأروع والأعمق، وذلك حينما تتحول الى درس جارح في تعلم الانتماء والموت حد الشهادة.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر