أبواب

نهار مشمس في الطريق

يوسف ضمرة

«حين نتنزه نكون ثلاثة:/ أنا وأنت والحرب القادمة/ وحينما ننام نكون ثلاثة/ أنا وأنت والحرب»

مقطع للشاعر اليهودي حانوخ ليفين.

هذا المقطع التقطناه عشوائياً من بين مئات القصائد العبرية لشعراء، أو من يُفترض بهم شعراء في الكيان الصهيوني، وهو يدل ببساطة على إدراك عميق لحقيقة وجود الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية، ومآل هذا الوجود، وطبيعته ومفرداته.

«مقدار الكراهية بين الطرفين سيظل في ازدياد، ما يعمّق الجراح، وينمي الرغبة في الثأر والانتقام، والدفاع عن الحقوق المغتصبة».


«إن آداب جماعة ما تعبّر بالضرورة عن أحلام وهواجس جمعية، حتى لو بدت فردية أحياناً».

يدرك حانوخ ليفين أن استقرار الكيان غير مطروح على الإطلاق، فالحرب ستكون ثالث اثنين في أي وقت وأي مكان، ذاك لأنه يعرف أنه اغتصب أرضاً ليست أرضه، وشرد شعباً حراً ومسالماً من دون ذنب، فهل تسكت الضحية؟

في رواية «خربة خزعة» للكاتب الصهيوني يزهار سيميلانسكي، وقد كان ضابط استخبارات في جيش العدو، يشهد على تهجير سكان قرية عربية أسماها «خزعة»، وقد قال إنه كان ينظر إلى الأطفال الفلسطينيين وهم يصعدون إلى الشاحنات، ويفكر في مستقبلهم، ويتساءل عن المانع الذي سيحول بينهم وبين أن يقاتلوا «دولته» في المستقبل!

هذان نموذجان يقران بلا مواربة باستحالة التعايش بين الجلاد والضحية، ويشيران بوضوح إلى أن مقدار الكراهية بين الطرفين سيظل في ازدياد، ما يعمق الجراح، وينمي الرغبة في الثأر والانتقام، والدفاع عن الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني.

هكذا تربى المغتصِب الصهيوني وهكذا تعلم، وهكذا سوف يواصل حياته إلى أن تستقر الأرض يوماً، ويتم تصحيح الخطأ التاريخي الذي شارك العالم كله في ارتكابه بحق الشعب الفلسطيني.

فالمجازر الوحشية التي يرتكبها جيش حاقد بحق أطفال غزة وأمهات غزة، ليست سوى نتيجة طبيعية لهذه الثقافة، وهؤلاء القتلة يدركون أنه ما من سبيل أمامهم ــ كما يظنون ــ لتحقيق شيء من الأمن، سوى قتل الآخر بدم بارد، فالجندي الصهيوني الذي اعترف يوم أمس بقنصه ثلاثة عشر طفلاً في غزة، ليس نبتاً غريباً في هذا الكيان المدجج بالحقد والرعب، إنه يترجم أحلام رفاقه وصديقته وأمه ومعلميه إلى فعل مباشر. إن آداب جماعةٍ ما، تعبر بالضرورة عن أحلام وهواجس جمعية، حتى لو بدت فردية أحياناً، لكن الكثير من قصائد هؤلاء لا تخفي إيمان أصحابها العميق بضرورة نفي الآخر ومحوه وشطبه حتى لو قدم كل ما يلزم من علامات التعايش السلمي، فقد كتب أحدهم يقول «حتى لو تخلى الفدائيون عن أسلحتهم/ حتى لو شاركوا في بناء المستوطنات/ حتى لو شاركت نساؤهم في نسج قبعات للجنود/ فلن نجالسهم أبداً».

هذا يبين بجلاء لا لبس فيه، أن كل ما يرتكبه هذا العدو من مجازر ومذابح وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني ليس بسبب الصواريخ والأنفاق وما شابه ذلك، وإنما هو منهج صهيوني قام عليه الكيان، وسيبقى كذلك مستمراً بذريعة أو من دونها، لكن الشيء الغريب لدى هؤلاء هو أنهم رغم كل هذا النضال الذي لم يتوقف منذ ما قبل النكبة حتى اليوم، لم يقرأوا مستقبلهم جيداً، ولم يفكروا إلا من زاوية المحصّن والمحميّ إلى أبد الآبدين. لم يتعلموا من شعوب العالم الأخرى التي جرى اضطهادها وظلت حية حتى تطهرت من الظلم كما يفعل الفلسطينيون اليوم، وكما سيفعلون مستقبلاً إلى أن يتقشر هذا الليل عن نهار مشمس.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر