أبواب

أدب عربي

يوسف ضمرة

لماذا نقول «الأدب العربي»؟

سؤال خطر في البال وأنا أراقب مثل غيري ما يحدث في غزة. فهل كل أدب مكتوب باللغة العربية هو أدب عربي؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل يعتبر أدب أميركا اللاتينية أدباً إسبانياً؟

لا أحد في العالم يقول إن هنالك أدباً إنجليزياً باستثناء الأدب الذي يكتبه أشخاص من إنجلترا. حتى الأدب الأسكتلندي والويلزي والإيرلندي لا يصنّف ضمن دائرة الأدب الإنجليزي، ناهيك عن أدب أستراليا وأميركا ونيوزيلندا وغيرها. فما الذي يجعل أدباً ما ينتمي إلى هوية محددة؟

هل كل أدب مكتوب باللغة العربية هو أدب عربي؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل يعتبر أدب أميركا اللاتينية أدباً إسبانياً؟


اللغة جزء من الهوية، لكنها ليست الهوية كلها. وحتى لو كانت الديانة واحدة، فإن الهوية تظل ناقصة.

صحيح أن اللغة جزء من الهوية، لكنها ليست الهوية كلها. وحتى لو كانت الديانة واحدة، فإن الهوية تظل ناقصة، فالهوية الواحدة تنطبق على جماعة لها تاريخ ولغة وديانة، ولكن الأهم من ذلك كله هي الثقافة، فهل الثقافة العربية واحدة؟

الثقافة ليست ميراثاً أدبياً أو فنياً، وليست معلقات نتداولها حتى يومنا هذا، وإنما هي محصلة السلوك والتفكير الجمعي المشترك لجماعة ما. والتفكير المشترك يعني ترتيب الأولويات وفق هموم الجماعة الواحدة، لا وفق هموم الأفراد المتباينة، أي أن هنالك دائماً قضايا أساسية تجعل من جماعة ما تقدمها على سواها من القضايا.

لقد حدث هذا من قبل بالنسبة للقضية الفلسطينية، حين كانت قضية العرب المركزية، الأمر الذي جعل الكتاب والشعراء والأدباء العرب يقدمون هذه القضية في كتاباتهم على سواها من القضايا. أما اليوم، فقد غابت القضايا المشتركة، وأصبح الأدب المكتوب باللغة العربية مهجوساً بقضايا عدة ومتباينة.

ربما يتهمنا البعض بالتنكر للعروبة، وهو أمر مشروع، إذا كانت العروبة مجرد فكرة عابرة في التاريخ، توقفت في مرحلة لاحقة. وهو ما يحدث للأسف الشديد، ويجد تعبيراته اللافتة والحقيقية في الكتابة الأدبية على وجه التحديد.

فبينما يكتب الأميركي اليهودي قصائد «إسرائيلية» بالنظر إلى القضايا والأفكار والمفاهيم التي يتناولها، نجد الكتاب والأدباء العرب يعبرون أصدق تعبير عن الهوية «القُُطرية».

إن ما يجعل من الأدب عربياً أو «إسرائيلياً» هو ذلك الخط البياني المتصاعد للقضايا الأساسية. وهو صياغة أولويات الكتاب ضمن أفق الجماعة، ووفق ما تعيشه من أزمات أو مشكلات أو مفاهيم جمعية. وعلى هذا الأساس نشأت في ظل العولمة هويات عابرة للحدود والقارات والقوميات؛ هويات لا علاقة لها باللغة والتاريخ والدين والجغرافيا. ولننظر قليلاً إلى هويات مشجعي كرة القدم عبر العالم، وسوف نرى أن هنالك تجمعات أخذت تنشأ عبر دول مختلفة، تتشارك في انتمائها العاطفي لفريق محدد. وهذا يعني أن القضايا والهموم والمشاعر والعواطف عند مجموعة ما، أخذت تنتزع لنفسها مقداراً أساسياً في تشكيل الهوية. فليس مهماً أن تعيش في «دولة إسرائيل» لكي تكون كاتباً «إسرائيلياً»، حتى لو كنت عربي النشأة والاسم والتاريخ والجغرافيا، وحتى لو لم تكن يهودياً.

هكذا تكون هوية الكتابة تتكئ على قضاياها وأفكارها وموضوعاتها، لا على اسم صاحبها ومكان ولادته وسكناه، ولا على أنماط اللباس التقليدي والفولكلور الشعبي الغنائي الذي يسمعه في الأعراس والمآتم والمناسبات الدينية المختلفة. فهل هنالك حقاً أدب عربي؟

ليس بالضرورة أن تكون فلسطين محور الكتابة الأدبية العربية في شكل مباشر، ولكن تداعياتها كقضية مركزية، إضافة إلى قضايا الأغلبية العظمى من الأمة العربية، هي التي تجعل من أدب ما عربياً أو أدباً مكتوباً باللغة العربية!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر