كيف نُكلم من كان في المهد صبيا

خالد الكمدة

الساعة الرابعة فجراً، جسد أحمد يغلي، وأنينه يجرح هدوء الغرفة الباردة، أرق من أن يشبه صوت المنبه، وأضعف من أن يوقظ خادمته التي استسلمت لنوم عميق، بعد أن أنهت قائمة مهامها اليومية. في زاوية صغيرة من غرفة ملئت بأفخر المفروشات واللعب، يجرب هذا الطفل أن يعاني وحيداً، أن يستسلم لآلام لا يعرف إن كانت جزءاً من حياة بني البشر أو حدثاً طارئاً يمكن علاجه، أن يبتلع أوجاعه ويئن برفق، بعد أن عجز عن إطلاق صرخة استغاثة، ولم تلامس دموعه خد أم.

«عندما يكبر هذا الطفل سيجد أن هذه المرأة التي تتكلم لغة غريبة وتحمله وتطعمه وتغير ملابسه ليست مدرجة في شجرة العائلة».

عندما يكبر هذا الطفل، سيجد أن هذه المرأة التي تتكلم لغة غريبة، وتحمله وتطعمه وتغير ملابسه، ليست مدرجة في شجرة العائلة، ولا يحق لها أن ترث، هذه التي جُعلت أقرب إليه من أمه وأخيه، ستضع ملابسها يوماً في حقيبة وتتركه إلى غير رجعة، هذه التي وُضعت روحه وصحته وتربيته وثقافته بين يديها، تدبرها كيف تشاء، لا تربطها به إلا دراهم تجنيها لأجل آخرين، لهم خصصت حبها، وبمستقبلهم تحلم.

كنا دائماً ولانزال داعمين لحق نسائنا في التعلم والعمل، مفاخرين بما تشغله المرأة الإماراتية من مناصب، وما تحله من عقد، لكن أن تضيع بين يدي سيداتنا الأولويات، فيصبح السفر في مهمة عمل أو لدراسة سبباً كافياً لترك طفل لا يفقه من أمره شيئاً مع خادمة غريبة، ليس بيدنا منعها إن قررت في ليلة مقمرة أن تهرب.. أن يصل التفريط في المسؤولية حداً تترك فيه للخادمة مراقبة صحة الطفل، والحكم بتحسنها أو تدهورها، دون تمكنها من اتخاذ خطوة لحمايته.. أن نبرع في قدرتنا على محاسبة المخطئ إن ألم سوء بذرارينا، مغفلين تماماً ما قصرنا به من واجبات ومسؤوليات، فهذا شديد البعد عن ما نطمح إليه لنسائنا.

لا ننكر حاجة الأم في زماننا هذا إلى من تمد إليها يد العون، لكننا نهيب بسيدات بيوتنا وحياتنا ألا يطفئن صوت الواجب، ولا يتراخين في حمل مسؤولية من لا نأمن عليه إلا بين أيديهن. نأمل ألا تترك المرأة ــ التي لمعت وتألقت في جميع المحافل ــ في بيتها فجوة يتسلل منها الظلم إلى طفل لا يعرف كيف يشكو، لا يدرك الخطر، لا يفهم الألم. كيف تتوقع أم ناضجة وناجحة وعاقلة أن تشعر خادمة بمشاعر طفل؟ كيف يقرأ الآخرون تغيراته وأوجاعه إذا لم تترجمها هي؟ كيف نكلم من كان في المهد صبياً وأمه ليست مريم؟

twitter@khaledAlkamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر