اسقِ عطاشاً.. ثقّف أمة

خالد الكمدة

تعلمنا الكثير منه، ومازالت طروحاته تفاجئنا، بأبعادها وآفاقها، وغنى أهدافها. مع كل فكرة يطلقها للعلن، يحرص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على أن يطلق منهجاً جديداً، دروساً وعِبراً، مفاهيم وقوانين مغلفة بمبادرة مرهفة، تؤسس لأمة صلبة، متزنة، مسؤولة، مثقفة.

حب العطاء، الذي غرسه الآباء، وجعله المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، نهجاً لهذه الدولة، وجد من يرعاه ويسقيه ليكبر ويتأصل في نفوسنا جيلاً بعد جيل، رغم هبوب رياح العصر واتساع دواماته.

«تستطيع الدولة أن تحفر الآبار، وتنشئ محطات التحلية، ليست بحاجة إلى دراهمنا، لكنها بحاجة إلى انتمائنا إلى قضاياها وقضايا الإنسانية».

اليوم بات العطاء ثقافة، ومبادرات التبرع في بلدنا تتجاوز مفهوم المنح المجرد، وتلتمس من جوهره، تزرع فينا انتماءنا للإنسانية، وارتباطنا بآخر لا نعرف صورة وجهه، وتنزع منا الأثرة، وترتقي بنا لتكون سرائرنا مرآة ناصعة لجمال وحضارة وتقدم هذا الوطن.

أن تسقي عطشاً ببضعة دراهم، ليس كل شيء، أن تشعر بمعاناة من يقتله العطش، ويصوم ولا يفطر، ويمشي أميالاً وأميالاً لأجل قطرة ماء، أو يتجرع الماء الملوث تجنباً للموت، أن تدرك أن المياه المهدرة في حديقة منزلك يحلم ببعضها كثيرون، أن تلمس دورك في تحقيق تنمية مستدامة على الصعيد الإنساني، كل هذا وغيره الكثير ما أرادته لك «سقيا الإمارات».

نعم، تستطيع الدولة أن تحمل عنا هذا العبء، وتحفر الآبار، وتنشئ محطات التحلية، ليست بحاجة إلى دراهمنا، لكنها بحاجة إلى انتمائنا لقضاياها وقضايا الإنسانية، إلى شعب مسؤول وواعٍ ونبيل، يحمل إنجازاتها بأذرع قوية، ويلبي نداءها في كل محطة من محطات الخير.

«سقيا الإمارات»، ليست أموالاً تجمع لتوفير مياه الشرب الصالحة فحسب.. هي نداء رهيف لتوحيد الجهود خلف راية الوطن، للبذل من أجل تحقيق رؤيته، للجود بالرخيص لتعزيز رفعته، فكيف يغيب هذا عن مَن منحه الوطن دعماً لا متناهياً، ووقف من خلفه وشد من عزيمته، وهو ينمي أعماله ويضاعفها أضعافاً كثيرة؟ أين رجال الأعمال وشركات القطاع الخاص الكبرى من مبادرات تهتم بالإنسان وتصنع الإنسان؟ أين هم من ثقافة هذا الوطن ومنهجه؟ ولماذا يغيب شريك مهم في نجاح الدولة اقتصادياً عن نجاحها إنسانياً؟!

في بلادنا، التي تصل الليل بالنهار، وتتصدر أسواقها ومنتجعاتها بجهد الحكومة والقطاع الخاص يداً بيد، القوائم العالمية، غريب أن يلف الصمت معظم الجهات الخاصة كلما كان الهدف إنسانياً! غريب ألا يكون رواد أعمالنا قدوة للأمة! غريب ألا تسقي أموالهم عطشى، ولا تنثر عطاءاتهم بذوراً طيبة لمستقبل الوطن!

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر