مزاح ورماح
الباقي الوحيد..
لم ينجح مخترعو اللعبة «اختراق» في إظهار سحرها.. فخرجوا من الدور الأول، شأنهم شأن المنتخبات «مرّاقة الطريق».. حيث لعبت إنجلترا مع إيطاليا وخسرت.. ومع الأوروغواي وخسرت.. ومع كوستاريكا وتعادلت صفر ــ صفر.. فخرج الإنجليز من «مستعمرتهم» الخضراء مرغمين لا راغبين.
المهم، ما لفت انتباهي في خروج «الإنجليز» من المونديال، أنه عندما وصل المنتخب الإنجليزي إلى مطار مانشستر، الأربعاء الماضي، وكان ينتظره أسوأ استقبال على مر التاريخ، حيث احتجب الجمهور تماماً عن استقبالهم، ولم يأتِ أي ممثل حكومي، ولم يحضر إلى صالة الانتظار سوى بعض سائقي السيارات التي تقلّهم إلى بيوتهم - هناك من كسر هذا الاحتجاب الرهيب والعقاب القاسي، كانت سيّدة سبعينية تنتظر وصولهم بلهفة، حتى سمّتها الصحافة بالمشجّع «الوحيد» الذي كان ينتظر المنتخب الخائب.. هذه السيدة حضرت إلى المطار عن قناعة وعاطفة، وليس عن تسلية أو مصلحة، باختصار لأنه بطبع الأمهات أن يقفن مع أبنائهن في الشدائد، لا في المسرّات، فعندما يصفق عشرات الملايين للفرح والانتصار، ويسعدون بعرق اللاعبين، يتوارين هنّ عن الأنظار، وعندما تثقل كواهل الفشل الأحد عشر رجلاً وحدهم تجدهن في الانتظار.
الأربعاء الماضي وقفت هذه العجوز الإنجليزية تنتظر الطائرة القادمة من البرازيل وعلى متنها أكثر من 20 موجوعاً بالخسارة وبالهزيمة وبالشتيمة أيضاً، فقط لأنه بطبع الأم أن تعطي ولا تأخذ.. حضرت العجوز وغابت الجميلات، لتقول بوقفتها المتشوّقة من دون أن تتكلم حتى: أنتم أبنائي في كل حالاتكم.. وقفت هذه السبعينية وحيدة في مطار لا يستقبل إلا الفائزين، لتقول لهم: أنا لا أنتظر منكم النتائج.. أنا أنتظركم أنتم.. لا أحد يسعى إلى الفشل، لكنه يحدث أحياناً بعكس ما نحبّ.. أنا سأبقى إلى جانبكم حتى تنهضوا من جديد، لن أترككم وحدكم حتى تفرحوا وتُفرحوا.
ما أجمل أن تصبح الأم.. أمة.. ووطناً!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .