أبواب

مطارح الحب

خليل قنديل

هو الحب الذي يظل يكبر متجاوزاً مساحة العمر، وتفاصيل القيم الخاصة بممنوعاته، وهو الذي نظل نخشى الوقوع في شباكه؛ لأن من يقع فريسة العشق ومطارحه يظل قادراً على التجاوز، وعدم الارتباك أمام موانع العمر.

وتبقى الشعوب بذاكرتها الجمعية تحتفظ بسرية عاشقيها بنوع من الخصوصية الجمعية والتستر على فضائح العشاق، وتظل حارسة لتجليات عشاقها، ويبقى الحب على مقدرة في أن يجدد روحه في زحمة الحروب وصراع الزعامات، وتبقى المرأة هي الناطق الوحيد القادر على إعلان سرية الرجل، والكشف عن نطاق ضعفه في العشق والحب!

وفي مطارح الحب تكمن السرية الكيميائية التي يصعب تفكيك شيفرتها، إذ يبدو العالم أجمع كأنه اتفق على عدم تحطيم ذاك الإشعاع المُطل علينا من عتمة الواقع واحترام تلك الخاصية النورانية التي يُبشر بها الحـب، والتي تجعل الفرد الإنساني يستقبله بكل هذه الطـواعية والارتياح، وربما الارتباك!

«يبقى الحب على مقدرة في أن يجدد روحه في زحمة الحروب وصراع الزعامات، وتبقى المرأة هي الناطق الوحيد القادر على إعلان سرية الرجل، والكشف عن نطاق ضعفه في العشق».


«مطارح العشق العربية هي منطقة معفاة من كل الجمارك اللغوية، وتبدو كأنها المنطقة الوحيدة التي ظلت بكراً وهي تحرس قيمها بشروطها التي اقترحتها بالأساس!».

ولدى الشعوب قصصها الخاصة بالحب؛ ذلك أن روميو وجولييت حكاية حب خاصة بالغرب، ولهذا كثيراً ما نشعر بأن الحب له قصصه الجمعية التي يمكن أن توزع على العالم، ومن يرَ قصر تاج محل الذي بناه السلطان لزوجته كي يخلد ذكراها سيتأكد من قوة اشتعال الحب؛ ذلك أن العاشق يود لو أنه يستطيع تخليد عاشقته لفن العمارة الخاصة بقصر تاج محل.

والسؤال المُلح هو: هل يمكن أن نقول إن الحب حالة من حالات التمرد على السائد وعدم القدرة على الذهاب إلى منطقة البوح، حيث تسكن الحرية وتتفجر في لقاء بين شخصين؟ أو أن حادثة الحب هي حالة خروج عن المألوف والسائد والذهاب إلى إصدار البيان الأول عن حالة الحب؟

وليس غريباً أن نعيد مرجعية العشق والحب عند العربي إلى مرحلة الحب العذري، حيث يبدو القرب الشديد حالة مستحيلة؛ إذ إنك كلما اقتربت من الحبيبة ارتجفت الأمكنة، لهذا كان حب العربي يحتمل استدعاءات كثيرة، وإن تكرار حالات الحب ومجانينه في التاريخ العربي سببه الأساسي هو الحرمان.

لكن مع ذلك ظلت معظم الحالات تستنير بالحب وأوجاعه، وظل الشهيق والحسرة الغرامية خاصين بالعربي تحديداً!

فمن يطالع الغراميات التي اشتهر بها التاريخ العربي يشعر بوضعية التشابه في معظم مطارح الحب. ففي جميع هذه القصص يحضر الشعر كمعبر وحيد عن هذا الوجد، والأخطر من كل هذا نلحظ في لغة الحب ذلك الإصرار على مخاطبة الحبيبة بلغة «التذكير» فتخاطب الحبيبة باعتبارها ذكراً، وتشعر بأن للشاعر العاشق الحق الكامل في قلب اللغة؛ مع أن الأمة العربية هي أمة لغوية بامتياز!

وبعد، فإن مطارح العشق العربية هي منطقة معفاة من كل الجمارك اللغوية، وتبدو كأنها المنطقة الوحيدة التي ظلت بكراً وهي تحرس قيمها بشروطها التي اقترحتها بالأساس!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر