5 دقائق

بأي ذنب تركت

خالد الكمدة

في غرف العيادات والمشافي وجوه باهتة تبحث عن أمل الأبوة، لدى كل منها حلم بأنامل صغيرة تتمسك بإصبعه، ورأس صغيرة تستند إلى صدره.. وعلى قارعة الطفولة، براءة تفتش عن أصابع تتمسك بها، ورؤوس أثقلها انتظار الحنان.

في زاوية صغيرة من بيتهم الكبير التأموا كطيور الحبارى، في نفوسهم توجّس من صياد لا يعرفونه، كأنما أدركت فطرتهم ألا مبعث لهم للأمان إلا التحامهم، بعد أن نضبت قُرَبُهم من عطف أب وحنان أم.

يختار كبيرهم الذي تجاوز عقده الأول بعامين مفرداته بعناية، قبل أن يقدمها لنا بأدب بالغ، وضع معاييره لنفسه، بعد أن غاب المربي بما اقترفته يداه، وأعرض القريب بما حمل من أضغان، وهجر الجار بما وجل من متاعب.

«ليس إصلاحاً في البنية الاجتماعية أن يترك أربعة أطفال لم يبلغوا الحلم للعيش في أحد أحيائنا التي تعجّ بالأسر، وحيدين، في وقت يحاسب فيه والداهم عمّا ارتكبا من أخطاء».

ثلاث ريحانات وفلة، لم تمنعهم ملوحة الأيام وانقطاع أمطارها من النمو برفق بين جدران لا رقيب عليهم خلفها إلا خادمة وافدة، تحولت أمّاً وأباً وجداً وجدة وأقرباء وأصدقاء، تهاوت كل القيم والمعايير، وحملت الطفولة ذنوباً تنتهك براءتها.

في مجتمع محبّ وشفوق كمجتمعنا، مازالت سقطات الآباء تُحمل لأبنائهم بغير شفقة ولا رحمة، مازلنا غير قادرين على أن نرى أبناء المذنبين بمعزل عن أخطاء آبائهم، مازالت الطفولة صيداً سهلاً للغمز والنميمة والانتقام والقطيعة، وحيدة تواجه طعنات غير ملموسة مهملة متروكة بلا ذنب.

ليس إصلاحاً في البنية الاجتماعية، أن يترك أربعة أطفال لم يبلغوا الحلم للعيش في أحد أحيائنا التي تعج بالأسر، وحيدين، في وقت يحاسب فيه والداهم عما ارتكبوا من أخطاء، أن تحاسب الجاني لا يعني أن تترك من وراءه مهملاً معرضاً لأنواع المخاطر كافة، أن تعالج إثماً لا يعني أن تفتح الأبواب والنوافذ مشرّعة لآثام أخرى تأتي بالجملة ويلد الخطأ خطاً والمصيبة كارثة، هذا لا يبني المجتمعات ولا يصلح بنيتها.

كلهم آذان صاغية، هكذا كانوا أمام ما حدثناهم به من مواضيع يومية قد لا تكون جاذبة لأطفال آخرين، في عيونهم توق لكل ما هو طبيعي ويومي، حاجة لما يفيض عن أطفالنا من سبل الترفيه اليومية، وعطش للمسة أبوية لا تشفي وجعاً ولا تبرئ عله، شغف ليد حانية تمسح رؤوسهم وثغر يبتسم لهم دون كلفة أو تكلف.

لا تطلب الطفولة الكثير، تطلب العدل وألا تترك وحيدة، وفرصة منصفة لتنمو وتزهر.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر