5 دقائق

أنا أنتمي إذاً أنا موجود

خالد الكمدة

أن تكون حياً فقط، فتلك نعمة لا تقدر بثمن، الروح غالية، لن يبوح بها أحد طوعاً دون أسباب، قد لا تكون مقنعة أو كافية لغيره، لكنها بلا شك قادرة على دفعه لاتخاذ قرار كبير وأخير، وإذا ما مضى أحدهم دون رجعة فقد لا يجدي كثيراً بحثنا في أسبابه التي مضت معه، لكننا مسؤولون بغير ريب عن تحمل النتائج وسد الثغرات، حتى لا تزين الشرائط السوداء الأنيقة الفعل الكارثي، ولا ترخص الروح في استجداء محبة شجية.

أمام يأس أو حيرة أو قلق، يخطئ الشباب أحياناً في تقدير معنى الحياة، مسخرين طاقة فكرية هائلة لاتخاذ قرار جريء يرون فيه طريقاً مختصرة لإثبات وجودهم بموتهم، بعد أن عجز محيطهم عن إشعارهم به، وقصرت رؤية من حولهم عن تخيل عالمهم المظلم، حيث لا ضوء يشع في نهاية النفق ولا انتماء.

«دائرة الشاب الأولى هي المقياس الأكثر حساسية لتذبذباته، ومنها يجب التنبؤ بعواصفه وبراكينه قبل أن تنفجر».

دائرة الشاب الأولى هي المقياس الأكثر حساسية لتذبذباته، ومنها يجب التنبؤ بعواصفه وبراكينه قبل أن تنفجر، إذا كانت أسرة الشاب غير قادرة على أن تقرأ التخطيط اليومي لتقلبات مشاعره، فهي لا تقضي معه وقتاً نوعياً على أغلب الظن، وتتجاوز عن عزلته النفسية أو تغير سلوكه، كما أن تركه وحيداً في عوالمه الافتراضية، وترك متابعة اختياراته واهتماماته وما يطرح فيها من نقاشات وقضايا، وما يميل إليه من ألعاب إلكترونية أو مسلسلات شبابية أو اتجاهات فكرية، يفتح أبواباً واسعة لتتسلل يد المجهول إلى الشاب، تخطف مستقبله، وتلقي إلى العدم أحلاماً ولدت معه.

إذا ما تمكن الشاب من إخفاء مشاعره السلبية أو عزلته الروحية عن أسرته خلف نمط حياة يومي متكرر، فمن غير الوارد وغير المقبول أن يجهل المربون في المؤسسات التعليمية أو الاجتماعية قراءتها وتوقع نتائجها. نحتاج إلى أن تكون المدرسة منظومة اجتماعية وصحية وتعليمية متكاملة، تمنح الشاب معنى للحياة، وفرصة للانتماء، ومساراً للتطور، وعدةً للتعلم، ومساحة للتعبير، ومربعاً لاحتوائه، بخطئه وصوابه، بإنجازاته وإخفاقاته، بفرحه وبحزنه.

لنحافظ على وجوده بيننا علينا أن نشعره بانتمائه إلى هوية وقضية وأسرة ومجتمع، علينا أن نترجم له معاني الحياة بلغة تفهمها حداثة سنه، بأنشطة وفعاليات وبرامج تعزز تمسكه بمجتمعه، وترابطه مع محيطه وتبلور أبعاد شخصيته وتوسع مداركه، علينا أن نجد له الأسباب ليبقى، ونضعها بين يديه إذا لم يكن قادراً على رؤيتها وحيداً قبل أن يمضي وحيداً.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر