أبواب

تراتبيات التلقي

يوسف ضمرة

لا يوجد ناقد أجنبي أو عربي، لم يتطرق إلى مسألة العلاقة بين المبدع والمتلقي. بين الإبداع والتلقي. بين النص والقارئ. تعددت الآراء وتباينت أحيانا، إلى الحد الذي قرأنا عن موت المؤلف وضرورة تحويل النص ـ خطاطة المؤلف ـ إلى عمل أدبي، ودور اللغة، والاستقبال الجمالي والتفضيل الجمالي والإحساس والإدراك وما إلى ذلك.

بين الإبداع والتلقي. بين النص والقارئ. تعددت الآراء وتباينت أحيانا، إلى الحد الذي قرأنا عن موت المؤلف وضرورة تحويل النص ـ خطاطة المؤلف ـ  إلى عمل أدبي، ودور اللغة، والاستقبال الجمالي والتفضيل الجمالي والإحساس والإدراك

 ما لم يتطرق إليه الكثيرون، أو ما لم نسمع به في هذا السياق كظاهرة أو معيار، هو الحال الاجتماعية والسياسية والسيكولوجية للمتلقي في لحظة التلقي نفسها. ونقصد هنا الحال الجمعية والحال الفردية على حد سواء.

ندرك ـ كما أشار كثيرون ـ أن النص بنية لغوية. وندرك ـ كما قال كثيرون أيضا ـ أن اللغة هي أداة التواصل. وبهذا المعنى تصبح للغة وظيفتان، فهي من جهة أداة البناء في النص وتشكله، ومن جهة أخرى صلة الوصل بين النص والمتلقي. وبالمقدار نفسه توجد مستويات للتلقي، تتعلق بالمنسوب الثقافي والمنسوب الجمالي والمنسوب اللغوي لكل قارئ، بمعنى أن هنالك أكثر من قراءة للنص، بحسب هذه الفروق بين القراء. وهذه القراءات بالضرورة سوف تختلف بعضها عن بعض في اكتشاف الدلالات التي أرادها الكاتب، وتلك التي لم يفكر بها من قبل. ما يعني أن القارئ هنا يصبح شريكا حقيقيا في كتابة النص. وتزداد هذه المشاركة كلما ارتفعت مستويات المتلقي الجمالية والثقافية واللغوية.
لكن ما لم يتطرق إليه الكثيرون، أو ما لم نسمع به في هذا السياق كظاهرة أو معيار، هو الحال الاجتماعية والسياسية والسيكولوجية للمتلقي في لحظة التلقي نفسها. ونقصد هنا الحال الجمعية والحال الفردية على حد سواء.
إن قصة حب جميلة، وربما بقليل من النمطية، يمكنها أن تثير الكثير من العواطف عند قارئ ينعم بالأمن والطمأنينة والسلام النفسي والاجتماعي والسياسي. بينما لا تشكل هذه القصة نفسها لمواطن سوري مثلا في هذه الأزمة، أي معنى أو قيمة جمالية. ثمة أشياء أكثر أهمية من ذلك بالنسبة للمواطن السوري، حيث الأمن الغائب والسلام النفسي المسروق والحاجة الماسة لأولويات الحياة، وإن أي كتابة عن الأزمة السورية، سوف تكون أكثر قبولا من غيرها لدى غالبية القراء العرب، سواء كانت هذه الكتابة أدبية أو غير أدبية. ما يعني أن للموضوع الأدبي هنا أهمية ربما لم تكن تأخذ كل هذا الاهتمام من قبل، على الرغم من أننا عربيا أكثر من اشتبك مع الموضوع الأدبي عبر مراحل متباينة. فقد كانت الكتابة عن المقاومة الفلسطينية في مرحلة ما تشكل نصف أهمية العمل الأدبي، وربما الأهمية كلها. وفي مرحلة الواقعية الاشتراكية، كان الصراع الطبقي والبطل الإيجابي والنهايات المشرقة تشكل علامات الجودة الفائقة في النص.
نخلص إلى أن المتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، تمنح الكتابة الأدبية تراتبية خاصة. وهي ثقافة سائدة في المجتمعات كلها لا في المجتمعات العربية وحدها.
لقد مضت سنوات على الاتحاد السوفييتي، وهو منهمك في نشر قصص الحرب والأنصار، بحيث أصبحت هذه القصص تعويذات القراء والمجتمع على حد سواء. وهو ما جعل هذه الكتابات دليلا ومرشدا لنا في تجربتنا الكفاحية من أجل فلسطين وشعبها. قمنا بتهميش كثير من الآداب العالمية العظيمة، لأن المرحلة تتطلب وعيا كفاحيا، وتتطلب كتابة تحريضية صلبة معبأة بالأمل والتفاؤل.
هكذا لا يكون التواصل بين المبدع والمتلقي محكوما فقط بالبنية الفنية واللغة والدلالات ولا نهائية التأويل وما إلى ذلك. فثمة تفاعلات اجتماعية وسياسية وثقافية تلعب دورا هائلا في هذا التواصل، وتسهم في تعميم كتابة أكثر من سواها.
damra1953@yahoo.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .  

تويتر