5 دقائق

كلمات من ذهب

د.عبدالله الكمالي

«وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، فإن استقاموا استقامت ملوكهم، وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم، وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك، وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم، وليس في الحكمة الإلهية أن يولي على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرها كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا شابت لهم الولاة، فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبدالعزيز، فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر، بل ولاتنا على قدرنا وولاة من قبلنا على قدرهم، وكل من الأمرين موجب الحكمة ومقتضاها».

ليت الشعوب تفقه أن التغيير الحقيقي يبدأ منها، فلو أصلح كل واحد منا نفسه لرأينا جميعاً التغيير الحقيقي.

هذه كلمات ذهبية سطرها ابن قيم الجوزية في كتابه «مفتاح دار السعادة»، فالتاريخ يعيد نفسه، والله تعالى يقول في كتابه: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وليت الشعوب تفقه أن التغيير يبدأ منها، فلو أصلح كل واحد منا نفسه لرأينا جميعاً التغيير الحقيقي في المجتمع دون حاجة لإراقة دماء الأبرياء تحت اسم «الربيع العربي»، فمازلت أتعجب ممن يقحم الشعوب لمواجهة يعرف الجميع أنها ستكتب بالدم والعنف، وليتهم نصحوا الشعوب بالصبر على ظلم الحاكم مع السعي إلى تغيير النفس وإصلاح سلوكيات الأفراد، فعندما يكون الحديث مثلاً عن النظافة وسوء اهتمام حكومات بها، ثم تجد من يتحدث أول من يلوث الأماكن، فلابد أن يتجه اللوم إلى الأفراد قبل الحكومات، وعندما نسمع بعض الموظفين يتكلمون عن الفساد ثم نجدهم يحترفون سرقة الناس تحت اسم «الإكرامية والعمولة»، فسندرك هنا أن التغيير لابد أن يكون منهم قبل أن يطالبوا غيرهم بالتغيير، ولا يعني كلام ابن القيم عدم توجيه النصيحة للحاكم، بل الحاكم يناصح بالطريقة التي حثنا عليها نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد قال: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له».

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


 

تويتر