5 دقائق

غرقى.. فهل من مغيث؟

خالد الكمدة

تبحر في قارب شراعي قديم، تسد ثغراته بيد وخرق بالية، وتمد يدها الأخرى في الماء، تدور بها دوامات وتتقاذفها أمواج، لا ربان لقاربها المتهالك ولا بوصلة، ومهجتها تغرق في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج.. عارية من كل عون، يفترسها الخوف، وحيدة إلا من آلامها.

لم تصف قصتها التي حملتها لنا القنينة إلى الشطآن إلا بعضاً من حكايتها، لأن الجرح لا يؤلم أحداً كصاحبه، ولأن الكلمات لا تحمل كل الأشجان مهما برع صائغها. بين ما اختلط من حبر الكلمات وملح دموعها جاش أنينها.. ألا من مغيث؟!

«على الرغم من كل ما حصده المجتمع من وعي وثقافة إنصاف، فلايزال (العيب) مفهوماً مسيطراً، يدفعنا في حالات كثيرة إلى خذلان من هم في أشد الحاجة إلى العون».

وقفتُ طويلاً عند حكايتها، كيف تترك هذه الأم وحيدة في بؤسها في مجتمعنا، الذي احتوى بحبه القاصي والداني، بأي دين تعذب الأم مرتين، مرة في فلذة كبدها التي تهاوت إلى الإدمان، ومرة في لفظ المجتمع لها وابتعاد الجار والقريب؟!

على الرغم من كل ما حصده المجتمع من وعي وثقافة إنصاف، فلايزال «العيب» مفهوماً مسيطراً، يدفعنا في حالات كثيرة إلى خذلان من هم في أشد الحاجة إلى العون، لازلنا نغلق النوافذ حتى لا تتسلل إلينا عدوى العيب، غير مدركين أن العفن يولد في غياب الهواء وضوء الشمس. لايزال مفهوم الخطأ والصواب يرتبط بموروثات نمطية، لا ترتكز إلى دين أو قانون أو منطق، ولازلنا نتجنب من وصمهم «العيب» إذا ما أغدقنا بكرمنا وعطفنا على من ينشدونه.

لا مأوى لها ولا مركز علاج، كأنّ المصابين بالأمراض المزمنة باتوا أفضل حظاً منها، أليست أيضاً مصابة بمرض قابل للشفاء والنكس، أليس الإدمان داءً انتقل إليها بجرثومة اعتبارية تنتشر حيث توجد الثغرات النفسية؟!

نعمل كثيراً - وعلى صعد مختلفة - لنتصدى لانتشار المؤثرات العقلية ولنحمي أنفسنا وأبناءنا منها، لكن وجودها واقع، وتورط شبابنا وفتياتنا في الإدمان واقعة يجب ألا يتركوا وحيدين في رحاها، واقعة تتطلب تحركات جدية وسريعة، وتضافر جهود الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني، وإسهام رجال الأعمال، لوضع حلول مادية لاحتواء وعلاج الضحايا والمكلومين. إذا ما زلّ أحد شبابنا أو فتياتنا، فجدير بنا ألا نوجه إليه السهام، بل أن نشد على يده لا ليقف مرة أخرى فحسب، بل ليعود عنصراً فاعلاً في أسرته ومحيطه، لا يكسره الألم ولا يصمه العيب!!

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر