5 دقائق

لأنك لا تهدي من أحببت

خالد الكمدة

زارني صديق انقطعت عني أخباره منذ مدة، أثقلته الحياة بهمومها وأرهقه تغير المفاهيم السلوكية واختلال المعايير التي كانت أركاناً راسخة لثبات البناء الأسري. لا يعرف كيف ومتى انقلب طفله المدلل، شاباً متمرداً مشاكساً يهوى المخالفة ويتقن العناد، اختلطت عند صديقي المشاعر بين حب ووجل وحنق وما عاد قادراً على انتقاء منهج يتعامل فيه مع ابنه الذي شب عن الطوق وبات الخفي من فكره وشعوره أكثر من الجلي.

بين غضب وألم وحنو، جزع صديقي وطلب العون.. أسعفوني.. كيف أتصرف؟

«لن يكون ابنك رياضياً لأنك أردت له ذلك ولن يصلي فروضه طاعة لأمرك، هو اليوم لن يكون إلا كما يروق له».

لست الوحيد في ذلك يا صديقي، نحن في زمن ما عادت فيه كتب التربية ووصايا الأجداد تنفع، كل شاب يحتاج إلى مجلد من الأساليب فصلت خصيصاً على قياسه، تماماً كما تعقد تطور شخصيته بين ما ورثه من الثقافة وما اكتسبه من الحضارة وما هاجمه من فورة براكين التقنية التي تقذف حممها العمياء فتصيب بها من تشاء إلا من رحم ربك.

لا تقلق فنحن في زمن لا شيء فيه تحت السيطرة، زمن صارت مساحة الحقيقة فيه أوضح وما عاد أحد يعبأ بارتداء الأقنعة أو يسوؤه ما انكشف من عوراته، ضع وراءك كل القوالب التي صنعتها لابنك، حرر نفسك من قيود توقعاتك وفتش عن طريق تصطحب ابنك فيه، ليس فيه شروط غير أنه قادر على جمعكما.

لن يكون ابنك رياضياً لأنك أردت له ذلك ولن يصلي فروضه طاعة لأمرك، هو اليوم لن يكون إلا كما يروق له، فابحث عن مفاتيحه في ما بين يديك أو اقتني مفاتيح جديدة. لا تدع مقاييسك للصلاح والاستقامة وما رسمته مخيلتك لولي عهدك تعمق الشرخ بينكما. إذا ما ارتخت عرى المودة لديه وغابت عنه مفردة الاحترام في ازدحام قواميسه المملوءة باصطلاحات محدثة فترفق به، تذكر أنه يصارع في فؤاده الغض مفاهيم لم تجابهها أنت، كن رؤوفاً به وبنفسك، خاطب عقله واكشف له ما رأيت من حقائق وألوان، ودع له الحكم، ضع بين يديه ميزان الخير والشر حتى يكون الخير ما يشاء، واطلب له الهداية، فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر