5 دقائق

لقد رحلوا

د.عبدالله الكمالي

تمرّ الأيام بسرعة كبيرة، وفيها من الأحداث الشيء الكثير، لكن من أصعب أوقات الدنيا لحظات الوداع والفراق، فكم نعرف من أحباب وزملاء وأصدقاء توفاهم الله! نتذكرهم دائماً، فكلامهم الطيب، وحسن أخلاقهم، وطيب تعاملهم، لا يمكن أن ننساها بسهولة، وهل ينسى القلب من كنا نفرح برؤيته والجلوس معه؟! بل لعل بعضنا يتذكر من كان يؤذيه، وتلك المواقف التي بدرت منه، لكن عندما ينتبه الإنسان إلى أن هذا المؤذي رحل، فهنا ندعو له بالرحمة والمغفرة، وننسى المواقف التي بدرت منه، بل نتمنى عودته كي نطلب منه المسامحة والعفو، فمن يدري لعلنا نحن من أخطأ بحقه؟ ولو سألنا من كان يشتكي والده القاسي أو أمه، ماذا تتمنى الآن؟ لأجاب: أتمنى رجوعهما إلى الدنيا كي أقبل أيديهما، فشدتهما علمتني الكثير، رحمك الله يا جدي: هكذا يقول من فقَد جده ورحل عنه، فهذا الرجل الكبير كان سبباً في جمع الشمل والتفاف الأسرة، فأحاديثه الطيبة أدخلت السرور على قلوبنا، لكن أين هو الآن؟ لقد رحل عنا وهو الرجل المسنّ، وهو ممن نظن أن حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، ينطبق عليه: «البركة مع أكابركم».

من أصعب أوقات الدنيا لحظات الوداع والفراق، فكم نعرف من أحباب وزملاء وأصدقاء توفاهم الله!

لقد رحلوا عنا، لكننا نعرفهم جيداً، ونعرف أعمالهم الصالحة العظيمة، وإن عاشوا في الدنيا سنوات يسيرة، لكن بارك الله لهم في أعمارهم، فعملوا الأعمال الجليلة التي لا يتيسر عملها إلا في سنوات طويلة، ففي كل مجال من مجالات الخير لهم سهم ونصيب، شاركوا الناس في أفراحهم وأتراحهم، لذلك يذكرونهم، مع أنهم قد رحلوا عنا منذ سنوات، لكن العمل الصالح عمر ثانٍ للإنسان يبقى بعد موته، وأنتم شهداء الله في الأرض، فاللهم ارحمهم وتجاوز عنهم، واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى.

لم أقصد أحبتي الكرام أن أنغّص عليكم بهذه الكلمات، لكنهم أحباب لنا رحلوا عنا نتذكرهم وندعو لهم دائماً، فالدعوات الصالحات الطيبات تنفعهم، بإذن الله، عزّ وجلّ، وأيضاً لابد لنا أن نعتبر بحالهم، فنتزود من العمل الصالح الطيب الذي نتقرّب به إلى الله، ونطلب من ربنا، جلّ جلاله، أن ينفعنا بهذه الأعمال الصالحة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فنحن الآن في هذه الدنيا، وهي دار عمل فلنستكثر من الأعمال الصالحة، ولنحرص أيضاً على الحسنات الجارية التي لا تموت بموتنا، فنحن نقول عن أحباب لنا: لقد رحلوا، وغداً سيقال عنا: لقد رحلوا.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر