أبواب

أين اختفى الأدب الياباني

يوسف ضمرة

في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، خرجت علينا المطابع العربية بأدبين لم نكن نعرف عنهما سوى القليل، أدب أميركا اللاتينية، والأدب الياباني. والقرّاء القدامى، يتذكرون رواية برازيلية ترجمتها «دار الهلال» بعنوان «الفيلسوف والكلب»، لكاتب يدعى «ماشادو دو أسيس»، وقد وقعت هذه الرواية بين يديّ في السبعينات، ولم أستطع قراءتها بالنظر إلى محتواها الفلسفي الصعب على شاب صغير مثلي آنذاك.

اللافت هو أن الروايتين اليابانية والأميركية اللاتينية في الترجمات العربية، انحصرتا في أسماء قليلة، وهو أمر في منتهى الغرابة، لا أعرف له سبباً مباشراً أو مُقنِعاً حتى الآن.


الفارق بين الأدب الياباني وغيره، هو أن الأدب الياباني لا يتوقف عند تخوم الحكاية المروية، إنه يمتلئ بالإيحاءات الفكرية والثقافية والميثولوجية.

اللافت هو أن الروايتين اليابانية والأميركية اللاتينية في الترجمات العربية، انحصرتا في أسماء قليلة، وهو أمر في منتهى الغرابة، لا أعرف له سبباً مباشراً أو مُقنِعاً حتى الآن، فقد قرأت دراسة قبل سنوات قليلة، تناولت كتاباً أميركياً لإحدى أستاذات الأدب المقارن، تستجوب فيه الأدبين الياباني والألماني بعد الحرب الثانية، لتحصل على أثر الحرب، وكيفية تناولها بعد 50 سنة. والغريب في الأمر حتى اللحظة، هو أن الأستاذة التي قسّمت الأدب الياباني إلى ثلاث فئات أو ثلاثة نصوص، لم تذكر من الروائيين اليابانيين الذين نعرفهم سوى الروائي «يوكيو ميشيما» في رواية واحدة، وذكرت أسماء لا نعرفها.

نحن في العالم العربي تعرفنا إلى «يوكيو ميشيما» في روايته «اعترافات قناع»، ثم «ياسوناري كاواباتا» في روايتيه «ضجيج الجبل» و«البحيرة»، ثم قرأنا رواية «لكوبو آبي» هي «امرأة في الرمال». ولاحقاً قرأنا رواية واحدة «لكينزي بورو» اسمها «وحش السماء».

الفارق بين الأدب الياباني وغيره، هو أن الأدب الياباني لا يتوقف عند تخوم الحكاية المروية، إنه يمتلئ بالإيحاءات الفكرية والثقافية والميثولوجية. وهو أدب ينشغل بالماضي المثقل بـ«الطهارة»، ويقف في مواجهة عالم جديد بعد الحرب الكونية الثانية، تسوده النزعات الإنسانية الشرسة في القتل والتدمير واحتقار الإنسان وتهشيم القيم، ولذلك تبدو غرائبية السرد الياباني مختلفة عن سائر الغرائبيات في الآداب الأخرى، فقد أثقلت الحرب ذاكرة اليابانيين بكل ما يعنيه الانحطاط وتشويه النفس الإنسانية. ولعل رواية «ضجيج الجبل» لكاواباتا، تعطي مثالاً واضحاً لما يعيشه المجتمع الياباني بعد الحرب، إنه ضجيج مكتوم أو غامض، يشي بانفجار محتمل في أي لحظة مقبلة. لكن الفكرة الأكثر تعبيراً كانت في رواية «وحش السماء» الابن المسخ، الذي ولد بعد الحرب، وهو تشوه له أساس موضوعي يتمثل في قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، ولكنه في الرواية يمتلك دلالات ثقافية وفكرية أبعد من موضوع التشوهات الموضوعية العادية، إنه تشوه أصاب جيلاً كاملاً بسبب اندفاع جيل سابق نحو الحرب، الجيل الذي يحمّله اليابانيون حتى اليوم أسباب آلامهم وانكساراتهم وتشوهاتهم، على الرغم من إدانتهم للقوى الأخرى.

وإذا كانت الرواية اليابانية على هذا القدر من الأهمية، فإن القصة القصيرة لا تقل عن ذلك، بل يمكن القول إن القصة اليابانية تعرضت لظلم وإجحاف كبيرين من قبل القرّاء العرب والدارسين والمترجمين على حد سواء، لكن اللافت أكثر، هو هذا التوقف المفاجئ عن ترجمة الأدب الياباني إلى العربية، كأن المترجمين العرب نقلوا ما كتبه اليابانيون كله وانتهوا منه، وهو أمر لا يمكن الركون إليه بالطبع، فالرواية اليابانية التي وصلت إلينا تشير إلى تراث روائي ياباني ضاربة جذوره في أعماق الأرض اليابانية، ولا نستطيع القول إن ما وصلنا كان بداية التجربة اليابانية الروائية أو حتى ذروتها، فمن المؤكد أن اليابانيين كتبوا الكثير من قبل، ولايزالون يكتبون حتى اليوم. ونظل نحن القرّاء العرب أكبر الخاسرين في ظل انحسار الترجمات العربية لهذا الأدب.

 damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر