5 دقائق

التشدّد!

د.عبدالله الكمالي

قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾، فالوسطية والاعتدال ميزة عظيمة لهذا الشرع الحنيف، ولهذه الأمة التي تتبع كتاب ربها وسنة نبيها، صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد على وجه الأرض دين يدعو إلى الوسطية والاعتدال ونبذ التشدد والتفريط مثل الدين الإسلامي، ومن الأمثلة الواضحة على تحذير الإسلام من الغلو قول الله تعالى: ﴿يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم﴾،

إننا في أمسّ الحاجة إلى خطاب ديني معتدل، يقوم على اتباع صادق للكتاب والسنة، ونبذ التشدد والتطرف.

وقال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، وقال أيضاً: «هلك المتنطعون»، وهم الذي يغلون ويتشددون ويتجاوزون الحد الشرعي، وبوّب البخاري في صحيحه فقال: «باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع»، ومن مداخل الشيطان على بعض الخلق أن يوقعهم في الغلو والتشدد في الدين، فقد قال بعض السلف الصالح: «ما أمر الله سبحانه بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر»، ومن صور التشدد الواضحة أن يحرِّم الإنسان ما أحل الله تعالى دون دليل من الشرع والدين، بسبب عدم ميل نفسه إلى هذا الأمر، فهو لم يترك هذا الشيء الذي لم تمل إليه النفس، وإنما وقع في التشدد، فحكم عليه بالتحريم! كأن يحرّم بعضهم استخدام وسائل النقل العصرية، أو تناول شيء من الطعام أباحه الله تعالى، ومن صور التشدد في الدين مجاوزة الحد في وصف من وقع في مخالفة شرعية، فبعضهم يصف من وقع في المعاصي التي لا تخرج من الملة بأنه أشرك وكفر بالله تعالى، وهذه صورة من أخطر صور التشدد والغلو في الدين، وهي طريقة الخوارج المتشددين، ومن التشدد أيضاً إلزام الناس بأمور غير واجبة في الشرع، فبعضهم يفتي بوجوب ذبح شيء من بهيمة الأنعام لمن أخطأ في اليسير من مسائل الحج، ويقول هذا دم تأديب وزجر، مع أن إيجاب ما لم يجب في الدين من التشديد على الناس بغير دليل، ومن صور التشدد تعمد مخاطبة الناس بالشدة والقسوة، فلا مجال عند بعضهم لذكر مسائل الترغيب، فالأمر كله ترهيب، وهذه طريقة مذمومة في الدعوة إلى الله، لذلك قال ابن تيمية، رحمه الله: «إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله عز وجل، ولا يجرئهم على معاصي الله تعالى».

إننا في أمس الحاجة إلى خطاب ديني معتدل، يقوم على اتباع صادق للكتاب والسنة، ونبذ التشدد والتطرف، فطريقة النبي، صلى الله عليه وسلم، في الدعوة هي أفضل وأنفع الطرق.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر