5 دقائق

هكذا الفتن

د.عبدالله الكمالي

من جميل كلمات عالم الأندلس ابن حزم، رحمه الله: «نوار الفتن لا يعقد»، فالفتن وإن بدا منها شيء من الزهر الجميل لكنه زهر لا ثمر ولا نتيجة له، ورحمه الله عرف الفتن فقد عاصرها وأدرك زمان الفتنة الكبرى في الأندلس، وكلامه أيضاً نراه رأي العين في واقعنا هذه الأيام، فعندما عصفت الفتن ببلدان عربية وتوقع الناس تغير الحال وعقدوا الآمال على هذا الربيع المزعوم، فإذا بالحال يتغير من سيء إلى أسوأ، ومن أمن إلى خوف،

فكم أشعلت بعض الجماعات المنحرفة، ومن ينتسب لها، من نيران للفتن، وأريقت بسببهم الدماء وهلكت نفوس.

ومن ظلم إلى ظلم أعظم منه، ومن شيء من النظام إلى فوضى لا حد لها، لذلك أوصانا الإسلام بلزوم الجماعة وولي الأمر المسلم وعدم الخروج عليه، بل حتى لو كان الحاكم كافراً فلا يجوز الخروج عليه إذا كان هذا الخروج سيؤدي إلى مفاسد لا حصر لها وسفك لدماء الأبرياء، فالله يعلم ما كان وما سيكون، لذلك جاء شرعه صالحاً لكل زمان ومكان، فحرم علينا أن نفرق الجماعة وأن نخرج على ولي الأمر، وأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه سيكون في آخر الزمان من يحكم بالظلم والعدوان، فأمرنا أن نصبر وألا ننزع يداً من طاعة، فعن عوف بن مالك أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم»، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة»، فلو التزم الناس بهذا التوجيه النبوي لارتاحوا راحة عظيمة، وفي صحيح مسلم أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لحذيفة بن اليمان، رضي الله عنه: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس»، قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع»، وهذا التوجيه فيه حرص على عدم إلقاء المسلم بنفسه إلى التهلكة، فكم أشعلت بعض الجماعات المنحرفة، ومن ينتسب لها، من نيران للفتن، وأريقت بسببهم دماء وهلكت نفوس، فلم يكن لهذه الفتن زهر ولا ثمر، بل سادت الفوضى بعض البلدان، ومن أشعل الفتن ينعم بأمن وأمان في بعض البلدان! فهل الدين يأمرنا بهذا؟! وهل الشرع حثنا على هذا؟!

إن الخير في لزوم الجماعة والبعد عن تفريق كلمة الناس والحرص على جمعهم على كلمة واحدة، فاللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر