أبواب

يرحلون.. وتبقى الواقعية السحرية

يوسف ضمرة

يعدّ الكاتب الكولومبي «ألفارو موتيس» واحدا من آباء روحيين عديدين للسرد الأميركي اللاتيني، على الرغم من أنه مجهول لدينا نحن العرب.

رحل موتيس عن 90 عاما قبل أيام، ولم يجد ماركيز ما يكتبه سوى كلمة «موتيس».

يتذكر ماركيز أن موتيس جاءه ذات يوم حاملا كتابا، قدمه إليه، وهو يقول: خذ اقرأ وتعلم. كان الكتاب هو رواية «بيدرو بارامو»، للكاتب المكسيكي الشهير «خوان رولف»، الذي لم يكتب سوى هذه الرواية. ولكن ماركيز يقول: كلنا في أميركا اللاتينية خرجنا من «بيدرو بارامو».

يتذكر ماركيز أن موتيس جاءه ذات يوم حاملاً كتاباً، قدمه إليه، وهو يقول: خذ اقرأ وتعلم. كان الكتاب هو رواية «بيدرو بارامو»، للكاتب المكسيكي الشهير «خوان رولف».

برحيل موتيس، تفقد الواقعية السحرية واحدا من أهم منابعها على الإطلاق، وربما حتى اليوم لايزال الكثيرون يجهلون الكثير من سر هذا السحر.

تأثر ماركيز وماريو بارغاس يوسا وإيزابيل اللندي بسرد موتيس، الكل يعترف بذلك، لكن شهرته عربيا لم تصل إلى شهرة هؤلاء.

برحيل موتيس، تفقد الواقعية السحرية واحدا من أهم منابعها على الإطلاق، وربما حتى اليوم لايزال الكثيرون يجهلون الكثير من سر هذا السحر.

يتذكر ماركيز أن معلمه قال له ذات يوم: اكتب حكايات.. لا تكتب آراءك وانطباعاتك.

هذا الكلام ربما يكون مفتاحا لفهم الواقعية السحرية في أدب أميركا اللاتينية على إطلاقه، فبورخيس يشير بنوع من «الفخامة» إلى «ألف ليلة وليلة».

ليس غريبا أن تكون الحكاية في السرد الأميركي اللاتيني أم النص والعمل الأدبي معا، أجل ثمة من يفرق بين النص والعمل الأدبي، وهو ما قد نتناوله في كتابة أخرى.

تمتلئ الرواية والقصة اللاتينية بالحكايات، وهي حكايات بعضها غريب، وبعضها بسيط وقد يبدو عاديا، وبعضها حكايات تبدو تاريخية وبعضها يبدو وثائقيا. ولكن الحكاية حينما تسقط من عالمها التاريخي أو الموضوعي أو الوثائقي، وتصبح جزءاً من النص، تلغي مرجعيتها التاريخية. لا أحد مضطر للعودة إلى تاريخ الحروب الأهلية في أميركا اللاتينية لكي يفهم «مائة عام من العزلة»، أو لكي يتحقق من بعض الأحداث التي تبدو حقيقية. النص يحيل إلى ذاته دائما لا إلى بعض ما تشير إليه الحكايات من تاريخانية فيه. هنا تكمن أهمية الحكاية التي لا نعرف مقدار صحتها التاريخية. الكل يعرف أن أميركا اللاتينية عانت من الديكتاتوريات العسكرية، ولكن لا أحد سيكون مهتما لمعرفة من هو السيد الرئيس في رواية أستورياس عن غواتيمالا، أو من هو «التيس» في رواية «حفلة التيس» لماريو بارغاس يوسا. تماما كما لن يكون أحد مهتما بالبحث عن أصول شخصية سانتياغو نصار في روايته «وقائع موت معلن»، أو حقيقة المغترب اللبناني «عبده بشور»، عند «ألفارو موتيس».

مجمل القول هو أن الحكاية هي لب النص الأميركي اللاتيني، الذي هو «تشكيل تخييلي» كما يصفه المنظّر الألماني «فوفجانج إيزر» في كتابه «فعل القراءة»، نقلا عن مجلة عالم الفكر. وربما لهذا السبب تتم الإشادة العالمية دائما بـ«ألف ليلة وليلة»، لأنها قائمة على الحكاية. لا مواعظ ولا آراء ولا شعارات ولا أي شيء من ذلك.

حينما جاء موتيس برواية «بيدرو بارامو»، وقدمها لماركيز قائلا «خذ اقرأ.. وتعلم»ن كان يعرف السر. فرواية مثل بيدرو بارامو تجسد مقولة المنظّر الألماني السابقة «النص تشكيل تخييلي» بجدارة فائقة. وليس بعيدا عن بيدرو بارامو تقف رواية الكاتب البرازيلي «جورج أمادو» «كنكان العوام الذي مات مرتين»، ورواية «وقائع موت معلن» لماركيز نفسه.

ربما تتاح لنا قراءة «عبده بشور» للروائي الكبير ألفارو موتيس، لنقف على بعض أهمية هذا الروائي الكبير كما تقول كتابات الناطقين بالإسبانية، وكما تؤكد الجوائز التي حصل عليها وآخرها «ثربانتس» بالطبع.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر