أبواب

جيل الإبداع الأنيق!

خليل قنديل

من يرقب الحركة الإبداعية السائدة هذه الأيام؛ لابد أن يرفع قبعته احتراماً لمثل هذا الجيل الأدبي المتصالح مع تجربته الكتابية إلى مثل هذا الحد، فنحن نلحظ أن الساحة الإبداعية العربية تخلو تماماً من المشاجرات والانزياحات والإلغائيات؛ مثلما كان يحدث في كل حقبة إبداعية عربية!

وعليّ أن أعترف هنا أنني من جيل السبعينات، حيث ظلت تقيم فوق رأسي جهة رقابية دائمة وملحة، وهي تطالبني بالكتابة الملتزمة التي لا تحتمل الختل أو المراوغة في هذه المسألة تحديداً، وبقيت أعمل رقيباً على نصي الإبداعي خوفاً من الوقوع في الفتك الخياني، وظلت كتابتي تتوخى الرصانة وجدية الانتماء لكل ما هو وطني!

«كان من الضروري على نصّ السبعينات مثلاً أن يشتمَّ القارئ فيه رائحة مخيم، أو معتقل، أو حتى ثياب شهيد، حتى يزكى النص ويأخذ جماهيريته المعهودة».


«بعض من حولنا كان لا ينظر إلينا إلا باعتبارنا مشروعات شهداء! لهذا كان لزاماً علينا أن نظل نقيم إبداعياً في تلك المنطقة المشدودة الوتر، التي لا تذكرك إلا بالموت والشهادة».

لهذا؛ كان من الطبيعي أن أقترح مضامين قصصية جادة كانت - على الأغلب - من ممارسة العفوية الكتابية على أقل تقدير. وقد أدى هذا بي إلى التخلي عن مضامين قصصية عدة، لا لشيء إلا أنها تبهت فكرة الانتماء والالتزام، فقد كان من الضروري على نص السبعينات مثلاً أن يشتمَّ القارئ فيه رائحة مخيم، أو معتقل، أو حتى ثياب شهيد، حتى يزكى النص ويأخذ جماهيريته المعهودة!

وأنا في زمن الانفلات العام الذي نعيش؛ أستطيع أن أعترف - دونما وجل - أننا كجيل قبلنا حالة اللجام هذه التي كانت تمجد الموت والاعتقال، وحتى الشهادة، وأعترف أنني وحينما أشرفت على طباعة أعمالي القصصية الكاملة قد اضطررت إلى أن أحذف ما لا يقل عن خمس قصص، اعتبرتها قصصاً صوتية ذات لغة منفوخة لا تقدم ولا تؤخر على مستواي القصصي!

إن بعض من حولنا كان لا ينظر إلينا إلا باعتبارنا مشروعات شهداء! لهذا كان لزاماً علينا أن نظل نقيم إبداعياً في تلك المنطقة المشدودة الوتر، التي لا تذكرك إلا بالموت والشهادة!

وبالطبع فإن الاحتكاك مع الحالة كان يكلفنا الكثير من عبارات التخوين والخلع الاجتماعي، وكان هذا وحده يجعلنا نؤثر عدم الاقتراب!

وقد كان لبعض هؤلاء تلك السلطة القامعة لكل من يواجهها، ويبدو أن عبارة شاعرنا الراحل محمود درويش عن ميليشيا قصيدة النثر لم تكن بعيدة عن هذا القصد، إذ ظل البعض منا - ولايزال - يحاذر، فالمراقب للساحة الثقافية الإبداعية العربية هذه الأيام يلاحظ أن الحركة العامة للإبداع بعيدة كل البعد عن الاصطفافات، وعن أي نوع من أنواعها، بل إن الجميع يتحرك كأنه يعزف على جرح غامض وبعيد.. فهل هذا سيئ أم موحش أم شرير؟ أنا لا ادري ولعل الإجابة كامنة في المستقبل القريب!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر