5 دقائق

ضحايا سهلة

خالد الكمدة

قد يغيب عن بال كثير منا إذا ما كانت حماية الفئات الأكثر ضعفاً على طاولة النقاش، فئة تعد الأضعف إذا ما قورنت بغيرها، فئة سلب أفرادها الإرادة والقدرة على المحاكمة العقلية، وانقطعت في كثير من الحالات قنوات تواصلهم النفسي مع المحيط، واختفت لديهم الوسائل للتعبير الدقيق، وبات كل ما حولهم خطراً محتملاً عليهم.

لا يدرك معاناة أسرة المريض العقلي والنفسي إلا هم، حين يجدون أنفسهم في حلقة مفرغة ومحكمة، لا تكسر طوق معاناتهم يد خبيرة ولا هم يجرؤون على رفع أصواتهم طالبين العون، تقف في وجههم صعوبات كثيرة ليس أبسطها الخجل الاجتماعي.

«إننا أمام فئة مهمة وشريحة لا يمكن إغفالها من الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، والتي تتطلب منا الحماية والرعاية، وتقع علينا مسؤولية ضمان حقوقها الإنسانية، سواء أدركتها هي وطالبت بها أم لم تدركها».

في مجتمعنا، كما في الكثير جداً من المجتمعات، تعزل أسرة المريض العقلي أو النفسي نفسها مع ما تعتبره «مصيبة» ابتليت بها، يقنع بعضهم بأن هذا امتحان ويبذلون ما بوسعهم وحيدين مع مريضهم، فيخفقون وينجحون، ثم يخفقون، ذلك أن الرعاية النهارية ليست فقط ما يحتاج إليه المريض، ولأنهم ليسوا متخصصين، لا يدركون أنهم بحاجة إلى يد خبيرة. أما آخرون فيتخذون قراراً نهائياً بأنهم غير قادرين، فيختار بعضهم إيواءه في مصحّات في الخارج، أو يتركه يسير مع مرضه وحيداً يتعرض لأبشع أنواع الانتهاكات التي تطفو نتائجها إلى مجتمعه.

وإزاء هذه الدوامة، نتساءل: هل أسرة المريض العقلي أو النفسي مسؤولة عن حمايته ورعايته ويجب محاسبتها إذا قصرت؟ الجواب: ليس بعد، ليس قبل أن نوفر لها الدعم والتوعية، ليس قبل أن ندرك أننا أمام فئة مهمة تتطلب منا الحماية والرعاية، وتقع علينا مسؤولية ضمان حقوقها الإنسانية.

لا يوجد دُور إيواء لمن ليس لديهم من يرعاهم وهم متروكون ضحايا سهلة لأنواع الانتهاكات كافة، وأما المحظوظون منهم ممن لديهم من يرعاهم فيقفون وحيدين لا عون له ولا نصيحة.

الأمراض العقلية والنفسية جزء لا يتجزأ من مجتمعنا، كما هي في المجتمعات كافة، وما يقيس وعينا وتميزنا هو كيفية احتواء هذه الحالات وحمايتها، ودعم القائمين عليها.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر