أبواب

حين يتناول الحلم إفطاره معك

يوسف ضمرة

أيام الزمن الجميل.. أجل، يحق لنا أن نقول ذلك، قد ينتقدنا الكثيرون، ويعتقد آخرون أننا أسرى الزمن الماضي، ورهينة الخطاب الخشبي. لم تكن الحياة أكثر راحة في ذلك الزمن الجميل، ولم نكن حصلنا على شيء من التسهيلات الحياتية التي بين يدينا اليوم، وكان الشقاء اليومي علامة بارزة من علامات الحياة. لم تكن ثمة هواتف نقالة وكمبيوترات وإنترنت و«فيس بوك» ومحرك البحث غوغل. ولم تكن المواصلات ميسرة كما هي اليوم، ولا وسائل العيش كما هي اليوم. أيام الزمن الجميل كانت أعداد الوفيات من الأطفال حديثي الولادة أضعاف أضعاف ما هي عليه اليوم، وأيام الزمن الجميل كان متوسط عمر الإنسان أقل بكثير مما هو عليه اليوم. وأيام الزمن الجميل كانت وسائل الرعاية الصحية وتخفيف الآلام شبه معدومة مقارنة باليوم. من حق أي من كان أن يصرخ فينا قائلاً كيف يجتمع هذا الشقاء كله أو يرتبط بأيام الزمن الجميل؟ من حق الأجيال الجديدة أن تصفنا بالمفصومين أو تتهمنا بأصحاب الحنين المرضي إلى ماضٍ خشن طمعاً في مزيد من التعذيب الذاتي أو جلد الذات كما يقال، لأننا لم نتمكن من الانسجام مع التطورات العلمية الحديثة ولم نستوعبها جيداً كما استوعبها الجيل الجديد، وكما سيستوعبها الجيل الذي يليه والذي يليه وهكذا. من حقهم أن يشيحوا بوجوههم حين نرجوهم أن يستمعوا إلى بعض قصائد محمد عبدالوهاب وألحانه مثلاً، وأن يفضلوا عليها صراخاً وحركات بهلوانية تصاحب أغنية جديدة.

من حق الأجيال الجديدة أن تصفنا بالمفصومين أو تتهمنا بأصحاب الحنين المرضي إلى ماضٍ خشن طمعاً في مزيد من التعذيب الذاتي أو جلد الذات كما يقال.

لكن من حقنا أن نصف تلك الأيام بأيام الزمن الجميل، لكن ليس من حقهم أن يصدروا حكماً نقدياً وتقييماً شاملاً ومطلقاً لذاك الزمن من دون أن يتبينوا أو يقفوا على رأينا أو فكرتنا.

من حقهم؟ نعم. لكن هل هم على حق؟ من حقهم أجل، لكن من حقنا أن نصف تلك الأيام بأيام الزمن الجميل، لكن ليس من حقهم أن يصدروا حكماً نقدياً وتقييماً شاملاً ومطلقاً لذاك الزمن من دون أن يتبينوا أو يقفوا على رأينا أو فكرتنا.

كيف يكون الزمن جميلاً؟ هذا هو أول ما ينبغي أن يسأله المرء لنفسه.

الجمال ليس مرتبطاً بمفردات الحياة اليومية من المأكل والمشرب والراحة والتعب، بمقدار ارتباطه بأمل حي يتناول إفطاره معك كل صباح، ويهمس في أذنك كل ليلة: تصبح على خير. الجمال هو أن تنام وأنت تدرك جيداً أن كرْم اللوز سينفجر بياضاً مشوباً بالحمرة في الصباح التالي.

اليوم، أشهد أن الثقافة الجديدة لا تعزف على الأوتار ذاتها، فالثقافة الجديدة تعزف على وتر الذات ومستقبلها وطموحاتها، وهذا في حد ذاته ليس عيباً، لكنه سيكون عيباً كبيراً حين يكون مجرداً من منظومة القيم الإنسانية النبيلة كلها.. قيم العدالة الاجتماعية وحب الآخرين والحرص على مستقبلهم كالحرص على مستقبلنا.

في أيام الزمن الجميل انقلب بينوشيه على الليندي في التشيلي بترتيب أميركي قذر، ولكن العالم كله وقف ضد بينوشيه، فظهرت الأغنيات والقصائد والأفلام في غير مكان. صارت تشيلي عاصمة المحبة الإنسانية والتضامن الإنساني. واليوم يتم ذبح الناس على مذاهبهم وأسمائهم، وتُؤكل قلوب البشر على مرأى من العالم كله ولا يتحرك. في أيام الزمن الجميل كانت شعوب العالم كلها، بما فيها الشعب الأميركي نفسه، مع الشعب الفيتنامي في صراعه ضد قوى الشر.

صدق الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي حين سمى ديوانه «مرثية للعمر الجميل».

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر