أبواب

البشر ليسوا كما نراهم فقط

يوسف ضمرة

لماذا نكتب؟ السؤال قديم بالطبع، والكتاب والأدباء والمثقفون يحاولون تقديم إجابات، لكنهم دائماً يتناقضون في ما بينهم، وهو ما يربك القارئ والكاتب معاً، ويزيد في غموض السؤال.

لا أحد يدعي أن الكتابة تغير العالم، ومن يظن أن الشعر والقصة والرواية كلها أدوات مباشرة للتغيير فهو واهم. ولكن أسئلة كثيرة ستطرح نفسها بعد ذلك، فهل الناس بحاجة إلى الشِّعر والقصة والرواية؟ هل تستمر الحياة من دونها؟ أم يشعر الإنسان بنقص ما في ما لو اختفت؟

بعض الكتاب يقولون إنهم يكتبون ليفهموا أنفسهم والعالم من حولهم. بعض آخر يقول إنه يكتب لأنه يحيا. ولو صدقنا مثل هذا الكلام، فإن علينا أن نتساءل: ماذا عن الذين لا يكتبون إذن؟ هل هم محرومون من وسيلة لمعرفة أنفسهم والعالم من حولهم؟ وهل من لا يكتب لا يحيا؟

من يظن أن الشعر والقصة والرواية كلها أدوات مباشرة للتغيير فهو واهم. ولكن أسئلة كثيرة ستطرح نفسها بعد ذلك، فهل الناس بحاجة إلى الشِّعر والقصة والرواية؟ هل تستمر الحياة من دونها؟

بعض الكتّاب يقولون إنهم يكتبون ليفهموا أنفسهم والعالم من حولهم. بعض آخر يقول إنه يكتب لأنه يحيا. ولو صدقنا مثل هذا الكلام، فإن علينا أن نتساءل: ماذا عن الذين لا يكتبون إذن؟

مثل هذا السؤال الكبير ينبثق في الأزمات الكبرى. فالكاتب يبدأ بنفسه أولاً: ماذا أكتب أمام شلالات الدم العربي؟ هل أرثي الضحايا مثلاً؟ هل أطيّب خاطر أمهاتهم وأبنائهم وآبائهم بقصيدة عصماء؟ ماذا أفعل بالتشوهات التي ستظل قائمة في الإنسان العربي إلى أجيال لاحقة؟ هل ينفع الشعر علاجاً لها؟ هل نصف لحظة القتل بالتفصيل أم نؤجل ذلك أم نتجاهله تماماً؟

ربما يكون الكاتب المعاصر للأحداث مرتبكاً ومشوشاً، وربما يجد صعوبة بالغة في الحديث عما يجري، أو حتى في كتابة شيء آخر،

هل هذا يعني أن البشرية لا تحتاج الأدب؟

ليس تماماً، بل ليس صحيحاً على الإطلاق. فما الذي سيرينا أنفسنا بكل ما فيها من وحشية سوى الأدب؟ وما الذي سيذكرنا بجهلنا وتخلفنا أكثر من الأدب؟ ثمة الكثير مما يفعل ذلك، ولكن الأدب يظل مختلفاً عن سواه. فهو لا يؤرخ ولا يوثق ولا يستذكر، وإن بدا أنه يفعل بعض ذلك أحياناً أو كله معاً. الأدب هو المادة الوحيدة التي تستطيع أن تشكل مرآة صادقة لجوهرنا الحقيقي. وهو المادة الوحيدة التي تصدمنا بلا أي حرج أو مداورة. والإنسان بحاجة دائماً إلى من يذكره بحقيقته ومآلات أفكاره وأفعاله، لأنه بهذه الطريقة وحدها يمكن أن نجعل الإنسان يخجل من نفسه ويصبح غير قادر على التحديق في أعماقه المشوهة. حينها ربما يفكر في التجاوز والارتقاء، ويبحث عن الحب والحنين والود في داخله، لأنه سيكتشف أن الإنسان بحاجة إلى الحب أكثر من حاجته إلى السكين والرصاصة.

إن قصيدة في الحب قادرة على أن تجعل المرء يشفّ ليصبح أكثر رحمة وتعاطفاً مع أخيه الإنسان. لن تتغير البشرية بالقصيدة، ولكن القصيدة تقول للمرء إن في داخلك كنزاً مطموراً بالتفاهات اليومية الزائلة كالسلطة والمال والنفوذ. وإن في داخلك حباً قادراً على احتمال أخطاء الآخرين وشهواتهم.

لم أشأ أن أتحدث هنا عن الأدب كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي، أو كمادة تصوغ تفكيرنا وتنمي قدرات الوعي لدينا. فقط أردت أن أقول إننا كبشر نحتاج إلى قصيدة حب، وإلى حكاية بطلها الإنسان. ليفهم كل منا وأبناؤنا أن البشر ليسوا فقط على صورة من يقتلون ويُقتلون، بسبب وربما من دون سبب على الإطلاق، وأن لدينا من المحبة أضعاف ما لدينا من الرغبة في القتل.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر