5 دقائق

الأسوة الحسنة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وُلد عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين 12 ربيع الأول عام الفيل (53 ق.هـ)، الموافق لـ: 20 أبريل 571 م فيكون قد مر على هذه الذكرى 1488 عاماً، وكلما تجددت فلا يزيدها الدهر إلا عبقاً، وشدة تطلع لأخبار ذلك المولود الذي أنار الله به الكون، وفتح به أغلاق السماء، ليشعَّ نورها على الأرض ومن عليها.

«أجمل ذكريات المؤمن هي ذكرى من أسدى إليها معروف الهداية، فكانت ولادته نور البداية».

فهي ولادة من بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وأسوة للمؤمنين، وشاهداً للأنبياء والمرسلين، وفاتحاً لرحمات أرحم الراحمين، تحمل الناس لأن يقرأوا سيرته، ويتحلوا بأخلاقه، وتربُو في قلوبهم محبَّتُه، ويحرصون على التأسي به، والعمل بسنّته، وليس ذلك عن غفلة في سائر العام، ولكن لأن للذكرى أثراً في النفوس البشرية، فهي بطبيعتها لا تغفل ذكرى عظائم أمورها، من أمور دينها ودنياها، فما من ذكرى تحمل معنىً إلا كانت حاملة لهم لأن يجددوا المعنى الذي كان فيها، شكراً للنعمة، وعظة بالنقمة.

وأجمل ذكريات المؤمن هي ذكرى من أسدى إليها معروف الهداية، فكانت ولادته نور البداية، والتأسي به شعار النهاية، فمعالم الإيمان وكبير الامتنان وعظيم التَّحْنان إلى هادي البشرية صلى الله عليه وسلم، فلا تغفل هذه الذكرى من غير تعبير باللسان، وشكر بالجنان، وتطبيق بالأركان.

فلنجعل إذاً من هذه الذكرى منهجاً لحياتنا؛ تأسياً بصاحبها؛ في نشأته صدقاً وأمانة وعفة ونصرة وصفاءً للفكر والنفس، وفي بعثته إيماناً ومحبة واتباعاً لأقواله وأفعاله وأحواله، وفي حُكمه تسليماً ورضاً، وفي أسرته محبة وعطفاً، وفي صحبته وفاءً وإيثاراً، وفي جهاده عطفاً ورحمة، وفي أخلاقه سمواً وكرماً، وفي غضبه لله لا للنفس والهوى، وفي عبادته تبتلاً واجتهاداً، وفي تعلقه بربه من غير فتور، وفي رضاه عن مولاه من غير تبرّم عن المقدور، وفي صبره على أعدائه من غير انهزام أو تغاضٍ عن عظائم الأمور، وفي انتصاره عليهم من غير تشفٍّ للصدور.. وهكذا جميع أحواله هي محل تأسٍّ إلا ما كان من خصائصه المشهورة، وكل ذلك لا يعرف إلا من قراءة سيرته وتتبع سنّته، وهذا واجب المسلمين كما نطق به الحق المبين {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}، وما أبدع هذا النظم القرآني، إذ جمع بين التأسي والذكر! إشارة إلى أن التأسي لا يكون إلا لمذكور معروف مشهور، فذكر رسول الله من ذكر الله، بل لا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر