أبواب

الذاكرة الجمعية للتاريخ

خليل قنديل

يؤكد لنا التاريخ في تفاصيله العميقة أن هناك حالة اتساقية متناغمة خلف مُجمل الحوادث التي تمور وتتجلى على سطحه بتجليات، بشكل يبدو كأن الحوادث على علاقة سرية وغامضة مع بعضها. وعلى الأغلب يبدو لنا خبث التاريخ وقد انكشف تماماً حين يقف الانسان مذهولاً أمام حادثة تاريخية وهو يقارن هذه الحادثة بحوادث تاريخية أخرى، وهو يردد بطفولية خاصة ويقول: «يا إلهي التاريخ الآن يكرر نفسه».

والأغرب من هذا كله هو تكرار ظاهرة نشوء الحضارات وتطورها المحكم، ومن ثم تبدأ هذه الحضارات بالترهل والهرم والبدء بالانهيار والسقوط التدريجي، ومن ثم الانهيار المدوي الذي كان يعيد بعض الحضارات الى الأمية البشرية الأولى.

يؤكد لنا التاريخ في تفاصيله العميقة أن هناك حالة اتساقية متناغمة خلف مُجمل الحوادث التي تمور وتتجلى على سطحه بتجليات، بشكل يبدو كأن الحوادث على علاقة سرية وغامضة مع بعضها.


في التفاصيل السرية للكائن البشري، التي بدأ العلم يكشف عنها حالات تجعلنا نستغرق في الدهشة ونحن نراقب الصلة السرية لقوة الإنسان.

وهناك في بعض الحضارات مظاهر غرائبية تجعل الواحد منّا يُشكك إن كانت هذه الحضارة من صناعات بشرية خالصة، وانها في بعض مظاهرها الخارقة تبدو أرقى بكثير من امكانات الإنسان، كالحضارة الفرعونية مثلاً.

وهناك في التفاصيل السرية للكائن البشري التي بدأ العلم يكشف عنها حالات تجعلنا نستغرق في الدهشة، ونحن نراقب الصلة السرية لقوة الإنسان ومدى هيمنتها على التاريخ بمجمله، ذلك أن الباحثين في علم الانسان وغرائبية تكوينه اخذوا أخيراً يكشفون عن جينات انسانية متصلة ببعضها منذ فجر التاريخ، وذلك بسبب الاختلاط الجغرافي العشوائي، وحين بدأ بحثهم في علم الجينات اكتشفوا انه من الممكن إعادة اي إنسان الى أصله الجيني الاول.

بمعنى انه يمكن لقبائل بدائية تعيش في مجاهل إفريقيا تعود في أصولها الجينية الى قبائل أرستقراطية في أوروبا، والعكس صحيح.

والسؤال الذي من الممكن أن يفتح لنا باب التخيل على مصراعيه، هو ماذا لو تعرفت هذه الاجناس إلى بعضها في عالم أثيري، وعادت لتأخذ بثأرها من البشرية ومن التاريخ. ماذا لو ان الشعوب التي ذبحت في لحظة استغفال تاريخية اتحدت وعادت لتأخذ بثأرها التاريخي المُزمن، ذلك أنه مادمنا قد قبلنا بالتشابه الجيني فعلينا تقبل خروقات مثل هذا النوع.

وإلا ماذا نقول عن ظاهرة العنف والتدمير التي أخذت تغزو العالم في مثل هذه الأيام؟ ماذا نقول عن الثورات والحروب هذه التي أخذت تنتشر في كل الأمكنة الأرضية؟ أو ماذا نقول عن ظاهرة القتل بتلذذ، الى مثل هذه الدرجة، حيث يكاد الدم البشري يسيل علينا من شاشة التلفاز؟

ماذا نقول عن عملية جب القيم والنتاجات الاخلاقية التي مات من أجلها كل قادة الثورات، والتضحيات التي بذلت من أجلها، أو ماذا نقول عن مسطرة الأخلاقيات التي شرعتها البشرية عبر تاريخها؟

ومادمنا نقف في باب التخيل هذا ماذا لو افترضنا أن شعوباً نهضت من قيلولة موتها الدهرية كي تأخذ بثأرها، لتدلق كل هذه الشرور على وجه التاريخ الانساني المعاصر. ما ذا لو افترضنا أن شعوباً نهضت كي تأخذ بثأرها، وذلك على قاعدة «التشابه الجيني»؟

إن من يراقب كل هذه التداعيات التي تسعى الى تخريب العالم وفكفكة بنيانه من جديد او حتى يراقب كل هذه الصبيانيات التي تعيشها السياسة العالمية ورجالها، لابد أن يذهب ليطرق باب مخيال «التشابه الجيني» الذي بدأ يستيقظ من جديد. بحيث استطاع أن يجمع كل ضحاياه في لحظة تاريخية واحدة ويملأ مناخاتنا بكل هذا الدم.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر