5 دقائق

«الجار» والمجرور

إيمان الهاشمي

انتقلتُ قبل فترةٍ ليست وجيزة إلى أحد الأحياء السكنية الهادئة، تاركة ًخلفي بعض الذكريات التي أبَت أن ترحل معي واستقرت في سكني القديم، بعد أن ودّعتُ جيراني المقرّبين وجميع الأطفال (وإن لم أحفظ أسماءهم بعد!) آملةً أن نلتقي على خير وألا نقطع حبل التواصل بيننا بعد عِشرة «جيـرة» دامت لسنواتٍ لا بأس بطولها.

لقد أوصانا نبينا الكريم بالجار في العديد من أحاديثه الشريفة، لكنني سأكتب اليوم عن فضول «أنف جار» أدَّى إلى «انفــجار» الصبر، بعد أن دسّه في كل ما لا يعنيه، مستغلاً حسن النية، غير مبالٍ بالنتائج.

سأكتب عن فضول «أنف جار» أدَّى إلى «انفــجار» الصبر، بعد أن دسّه في كل ما لا يعنيه، مستغلاً حسن النية، غير مبالٍ بالنتائج.

فمنذ أن بدأت تظهر على ملامحي بوادر الاستقرار بعد مشقة الانتقال، فوجئت بإحدى الجارات «السبعة» تتقدّم نحوي بعينين برّاقتين، ترحّب بي وتهلل «باسم العربان»، تنفيذاً لتعاليم الدين القويم، ثم تعرِض عليّ أُخوّتِها الوردية على بساط من حرير، الأمر الذي جعلني أرسم ابتسامة عرضها السماوات والأرض لأرفرف معها، من دون أن أدري ما يختبئ خلف ستارها.

فلقد كرّسَت تلك «الجارة الطيبة» كل حياتها لمراقبة «المنزل» الخارجية بعد أن باءت جهودها الداخلية بالفشل، حيث باتت تدرِك مواعيد تحركاتنا ليلاً ونهاراً، وتحفظ أرقام السيارات! بل تميّز أصحابها من صوت المحرك! وقد تقوم ببعث وفد من «السرايا الأطفال» للتنصت على حواراتنا القصيرة في «الكاراج»، ثم نجدها تتمركز من نافذة طابقها العلوي المطلة على الباحة الخلفية لاستراق السمع والنظر، بل قد تعطي رأيها لاحقاً في أذواقنا أو أسلوب معيشتنا سلباً أو إيجاباً، وكأنها جاسوسة في جهاز المخابرات المنزلية!

وهكذا تكاثفت المراقبة يوماً بعد يوم، وللأسف لا يسعفني الوقت لذكر تفاصيلها كاملة، خصوصاً بعد التجاهل التام لجميع التصريحات الظاهرة والباطنة بعدم التدخل والحفاظ على حرمة الجار، الأمر الذي جرّني لأن أكسر الجرة في كل مرة! وأعلن «حظر التجوّل» وإغلاق جميع الأبواب والمنافذ بالشمع الأحمر، بعد أن طلبت «النجدة» من أحد مهندسي كاميرات المنازل! وحالياً أفكر في اقتناء كلب بوليسي ضخم يجيد الإعراب الصحيح «للجار والمجرور» بالكسرة الظاهرة على آخر أنفه.

eman.alhashimi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر