أبواب

التناسل المُلّح للأرواح الكتابية

خليل قنديل

أعتقد جازماً وبعد كل هذا الاستغراق في عمرنا الكتابي والإبداعي أنه بات علينا، وأنه من حقنا على هذه الشخوص تاريخياً، وبعد كل هذه السماكة في تأصيل حضورها في واقعنا المعيش أن نمتلك جرأة السؤال عن «تهريب» كل هذه الكائنات الحبرية إلى عوالمنا الكتابية والورقية، والعمل على تحقيقها وتصليب وجودها على هذا النحو الواقعي الخلاق والمؤثر.

نعم علينا أن نعرف من أين، وبعد كل التماهي مع بعض هذه الشخصيات الحبرية استطاعت كل هذه الشخوص أن تعبر الى أرواحنا لتقيم في حيواتنا بهذا الإصرار المخاتل. علينا أن نعرف كيف استطاعت شخصيات «سيرفانتيس» الرجراجة أن تتصلب حبرياً الى هذا الحد، لتجعلنا ندخل في بعض الأحيان عالمها الأحمق كي تدخلنا في شراكتها الخاسرة.

علينا أن نعرف من أين، وبعد كل التماهي مع بعض هذه الشخصيات الحبرية استطاعت كل هذه الشخوص أن تعبر إلى أرواحنا لتقيم في حيواتنا بهذا الإصرار المخاتل.


علينا أن نسأل «دوستفسكي» عن قدرته على استئصال الشخوص من رحم التأمل الخاص برجل مقامر وجعلهم يضجون بكل هذه الصراعات في رؤوسهم.

وهذا التداعي يستدعي فينا همّة جديدة في فتح بعض الطرق الفرعية وتوضيب المساحة القادرة على استيعاب كل هؤلاء الصعاليك الذين استطاعوا وبكل تلك السرية الموجعة ان يدقوا أوتاد خيامهم ويؤسسوا لأغرب اقامة في التاريخ في أرواحنا وتاريخنا.

وفي هذا المجال نستطيع توسيع مساحة الاعتقال والجلب لكل هؤلاء، إذ يمكن لنا أن نستحضر «ايما» مدام بوفاري الخاصة بقولبيرعن سر الاستمرار وعن كل ما تملك من غواية كي تحدثنا عن سر قدرتها في الرغائبية في التواصل وجودياً مع رجال العالم بكل هذه الاستمرارية العجيبة.

ويمكن لنا في هذا المجال اقتحام كل الباحات الرخامية والبلاط الملتمع الذي عاش فوقه ابطال شكسبير كي نسألهم عن سر كل هذه الرفعة الممسرحة، وعن سر كل هذا الحضور الطاغي لشخوص قادرة على نبش أعماق الذات البشرية على هذا النحو.

علينا وما دمنا في هذا المسار استدعاء «انطوان روكنان» وصاحبه «جان بول سارتر» كي نسألهما عن قدرتهما في توريثنا كل هذا الغثيان الوجودي وتجرع كل هذه الأحزان التي لم تكن مبررة على الإطلاق.

علينا أن نسأل «غوركي» عن قدرته على مزج شخصية «الأم» لتتحول موازيا منطقيا للثورة في روسيا وأن يجعلنا ننظر الى الجدة والأم بعين قدسية واحدة!

وفي المقام ذاته علينا ان نسأل «كافكا» عن صرصاره البشري الذي وجده مقولباً على ظهره ذات صباح. وذلك في تحول كيميائي مباغت.

وعلينا أن نسأل «دوستفسكي» عن قدرته على استئصال الشخوص من رحم التأمل الخاص برجل مقامر وجعلهم يضجون بكل هذه الصراعات في رؤوسهم. أو أن نسأله عن تلك الحالة السحرية التي يمتلكها كسارد في الدخول الى طلاسم معقدة في رأس مجرمه الخاص «راسكيلنوف» البطل المزمن لرواية «الجريمة والعقاب».

علينا استدعاء «بلزاك» و«برنارد شو» و«آرثر رامبو» و«كامي» و«سيمون دبوفوار» و«فرلين»

وأسماء عديدة في التاريخ البشري يصعب جلبها على هذا النحو المخفري لا لشيء سوى انهم استطاعوا في غفلة من تاريخنا أن يهربوا شخوصهم ويمنحونهم كل هذه القدرة على البقاء في وجودهم الحبري الذي استطاع، ومع طول المدة الزمنية، ان يجبروا أبطالهم على ان يكتسي حبرهم لحماً وعظماً وأن يوقعوننا في عدم القدرة على تمييزهم ان كانوا مجرد كائنات حبرية، أم انهم كائنات استحقت حق الإقامة بسبب السماكة التاريخية لحضورهم وقوة كل تلك الأوتاد التي أحضروها معهم.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر