أبواب

دعوا الأدب يمر بلا جروح

يوسف ضمرة

كان من السهل تسويق مقولة الإعلام الشعبي مع اندلاع الأزمة السورية، ثمة بشر وهواتف متصلة بالأقمار الاصطناعية، وما علينا سوى الإصغاء لتقرير تعده جماعة متورطة في الأزمة، ما يعني انه لن يكون موضوعياً، على الرغم من صحة بعض المعلومات أحياناً.

لم يشكل ذلك الأمر اختراقاً كبيراً في منظومة الإعلام، طالما أنه يظل إعلاماً منحازاً منذ الحرف الأول.

لكن ما أخذ يلفت انتباهنا هو توظيف الأدب في الأزمة السورية، هنا ينبغي لنا التوقف والتأمل.. فأن يتحول الأدب إلى بوق إعلامي مباشر أحياناً، فإن ذلك يعني انحداراً في قيمة الأدب والفن، فرضته السياسة.

نستذكر هنا روايات الأنصار السوفييتية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي روايات شكلت تسجيلاً لوقائع عسكرية واجتماعية في بعض مناطق السوفييت إبان الحرب، لكن الروايات السوفييتية عن الحرب لم تكن كلها كذلك، أي إنها لم تكن توثيقية أو تسجيلية إلى هذا الحد أو ذاك.

نحن ندرك أن كثيراً من الكتّاب والأدباء سيفعلون ذلك. لكننا نقول لهم مسبقاً، إنهم لن يقدموا للرواية أي إضافة فنية من أي نوع. وكل ما سيحصلون عليه هو بعض الاحتفالات التكريمية وربما الجوائز أيضاً، وهذا ينطبق على الكتّاب من الطرفين النقيضين.

فالرواية لم تكن يوماً بوقاً إعلامياً، وليس بوسعها أن تكون، مهما تم تسويقها ومنحها جوائز من هنا وهناك، وللتذكير فقط، فإننا نقول إن روايات حرب الأنصار السوفييتية لم تعد قابلة للقراءة بعد مرور هذه السنوات، على الرغم مما انطوت عليه في بعضها من حقائق ووقائع عسكرية وميدانية صحيحة، فهي روايات مرتبطة بزمن محدد وموضوع واحد مكرور تختلف فيه الأماكن والأسماء ليس إلا.

في هذا السياق، يمكن النظر إلى تجربة روائي سوري يبدو أنه من نتاج الأزمة السورية وتداعياتها الثقافية، من دون أن ننسى التنويه إلى أننا لا نصدر حكماً نقدياً على كتابة لم نقرأها، لكننا فقط نتوقف عند روايتيه وما أثير حولهما من مضامين.

فالخبر الموسع يشير إلى أن الروائي تناول تجربة حية في الروايتين، تجربته الشخصية وتجربة مقاتلين آخرين ذكرهم بالأحرف الأولى، وحكاية الأحرف الأولى هذه ساذجة في عمل روائي! أما مضمون الروايتين فهو الحديث عن بطش النظام من خلال شهادات يدّعي الكاتب أنها حقيقية! لكنني أتساءل عن مقدرة روائي على التنقل هكذا ببساطة ما بين حمص وحلب كأنه في نزهة، وأقول إن في وسع أي كان وهو مقيم في فندق في أقاصي الأرض الآن، أن يكتب كلاماً مثل هذا أو عكسه أيضاً، من خلال وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، ولا تعتبر الإشارة إلى شخصيات حقيقية وأحرف أسماء أولى بمثابة جواز مرور لما تنطوي عليه الروايتان أبداً. بالطبع هنالك وسائل إعلامية وفنية تتلقف مثل هذه الأخبار وتقوم بتضخيمها وترويجها بوصفها براهين حية على صدق ما يقال. وربما يكون هذا الأمر في آخر اهتماماتنا، لأننا مهتمون في المقام الرئيس هنا بالرواية، والتنبيه إلى ضرورة عدم انزلاقها أو انحدارها إلى هذا المستوى الضحل الذي يأتي على صاحبه، ويأتي على القراء بالصداع وفقدان الأمل.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر