أبواب

جائزة دبي الثقافية.. خارج المجاملات

علي العامري

تواصل جائزة دبي الثقافية الاحتفاء بإبداعات الشباب، وتشير إلى «الأمل الإبداعي» في أمة لاتزال تنجب مبدعين ومبتكرين ومخترعين في مختلف المجالات الثقافية والعلمية، على الرغم من العوائق والإحباطات والتهميش. ويجتمع الفائزون في الدورة الثامنة للجائزة في دبي بحضور أكثر من 50 شخصية في مجال الشعر والفن التشكيلي والنقد والرواية والقصة والمسرح، هم ضيوف الجائزة التي نجحت على مدار دوراتها السابقة في تكريس صورتها في الساحة العربية، بوصفها واحدة من الجوائز التي تنأى عن الخضوع لمجاملات أو اعتبارات غير إبداعية. أقول هذا من خلال تجربتي الشخصية، إذ كنت عضو لجنة تحكيم في أحد فروع الجائزة في دورتها الثامنة، وعن قرب اطلعت على آلية عملها، وعن قرب عرفت كيف أن كل لجنة كانت تمارس عملها، من دون أن تصل إليها أي إشارة لترجيح كفة عمل لمصلحة آخر.

عملي في لجنة التحكيم، قمت به مع زميلي الناقد عزت عمر، منذ تسلّمنا المشاركات، وكنا على مسافة واحدة من كل المشاركات من دون أي تدخل من قريب أو بعيد، من إدارة الجائزة. وهذا يضيف الكثير إلى صورة الجائزة التي لا تخضع لأي ضغوط أو «تلميحات» بالانحياز لغير الجدير بالفوز، إذ يتم التحكم وفق شروط الجائزة ومعاييرها الإبداعية أولاً وأخيراً.

كان لابد من قول هذه الشهادة، خصوصاً أن كثيراً من الجوائز العربية مطاردة بشبهة التدخل في نتائجها، وخضوع بعضها إلى اعتبارات سياسية أو جهوية أو قبلية أو حزبية أو شخصية أيضاً. وبالتالي تعد جائزة دبي الثقافية واحدة من الجوائز التي يعتد باستقلاليتها. وكان رئيس تحرير مجلة «دبي الثقافية» الشاعر سيف المري شدد على هذا الجانب، بقوله إن الجائزة «لا تخضع بأي شكل من الأشكال لأي تدخل أو إملاءات أو مجاملات، حفاظاً على صدقيتها التي اكتسبتها منذ دورتها الأولى». وهذا ما لمسته عن قرب من خلال عملي في لجنة التحكيم، حيث عملنا بحرية تامة، ولم نحتكم سوى للمعايير الإبداعية، وكانت النتائج بقرار اللجان نفسها.

في الدورة الثامنة التي يحتفى بالفائزين بها وضيوفها هذه الأيام، تنافست 492 مشاركة من 20 دولة، وجاءت مشاركات من بعض الدول للمرة الأولى. وتشمل الفئات مختلف الفنون الإبداعية، من الشعر الذي حظي بأكبر عدد من المشاركين، والقصة القصيرة والرواية والفن التشكيلي والبحوث والتأليف المسرحي والأفلام التسجيلية. وهي بذلك تتيح المجال لحراك في كل تلك الفئات ليتنافس الشباب العرب في الإبداع فيها. خصوصاً أنها مخصصة للشباب، وهي بذلك تكشف عن مواهب جديدة وتدعمها عبر جوائز تحتكم للإبداع وليس لـ«تسييس» أو «شخصنة». وهي تسد جانباً من جوانب النقص، إذ إن كثيراً من الجوائز الإبداعية العربية مخصصة لمبدعين مكرسين. وهي بالتالي تتيح المجال للاطلاع على نتاج جيل جديد من الأدباء والباحثين والنقاد والتشكيليين والسينمائيين والمسرحيين، خصوصاً أن نتاج الفائزين سيخرج في كتب توزع مع مجلة «دبي الثقافية».

ومن جانب آخر، تؤكد الجائزة أهمية الإبداع في مجتمعنا العربي، وأهمية دور المبدعين، إذ إن تهميش الثقافة في أي مجتمع له عواقب منظورة وخفية أيضاً. وكان سيف المري أكد فاعلية الأدب والفنون في الحياة. وقال إن «إقصاء المثقف يؤدي إلى نتائج سلبية»، إذ إن تهميش المبدعين يعني تهميش التنوير وتهميش الأمل وتهميش الروح، فالمثقف ليس «زينة» أو «واجهة» للاستعراض، وإنما هو روح تشحن الحياة بالجمال والمحبة والحيوية، وتجعل الأرض أكثر اتساعاً واخضراراً.

شكراً «دبي الثقافية» التي تنقذ إبداع الشباب من الغرق في عتمة التهميش.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر