أبواب

التاريخ حين يكذب

يوسف ضمرة

ليست قليلة هي المرات التي نكتشف فيها أن التاريخ قد جرى التلاعب فيه وتزويره، فالتاريخ يكتبه المنتصر.. ليس هذا فحسب، فهنالك عوامل أخرى تتحكم في كتابة التاريخ، منها ما هو عقائدي وعرقي وديني وغير ذلك، فالطبري الذي أرخ للقرامطة والزنج كان مؤرخ السلطة التي ثار عليها القرامطة والزنج، وكان من الطبيعي أن يصف هؤلاء بأبشع توصيف، وأن يقول فيهم ما لم يكن، وان يسكت عن الأسباب الحقيقية لهاتين الثورتين.

وقد سبق وأشرنا إلى أننا حتى اليوم نعاني محاولات تشويه بعض مفاصل التاريخ من قبل أناس مدفوعين إلى ذلك بأسباب مختلفة. هنالك رموز عالمية في السياسة والفنون والآداب، أصبحت قادرة على منح الشعوب والأفراد دفقة أمل وقوة وعزيمة في بعض الأوقات الصعبة. ويبدو أن هنالك من يريد تشويه هذه الرموز لتفقد قدرتها على ما تمنحه للفقراء والمظلومين والمهمشين في أي مكان. فواحد مثل غيفارا تجهد قوى الإعلام الموجهة لكي تشوه صورته الناصعة، فتارة تكشف عن علاقاته الغرامية، وتارة عن قسوته مع الفلاحين وما إلى ذلك. وواحد مثل الشاعر بابلو نيرودا لاتزال تفاصيل قتله مجهولة، علماً أنه مات خلال الانقلاب العسكري الدموي الذي دبرته «سي آي إيه» على الرئيس المنتخب سيلفادور اللندي، الذي تنازل نيرودا عن ترشيح نفسه لمصلحته. وواحد مثل لوركا الذي قتل على أيدي الفاشيين في إسبانيا، يحاولون القول لنا اليوم إنه قُتل على خلفية نزاع عائلي على ملكية أراضٍ زراعية للعائلة!

وقد قيل الكثير في التفريط العربي الإسلامي بالأندلس، وظل بيت الشعر الذي نُسب إلى والدة آخر ملوك بني الأحمر، عبد الله الصغير، يُرَدَّد على مسمعنا بوصفه دمغة فاقعة على تفريط العرب بالأندلس..

ابكِ مثل النساء مُلكا مضاعا/ لم تحافظ عليه مثل الرجالِ.

وسأضع هنا وثيقة كشف عنها مؤرخ إسباني، ومن دون أي تعليق، لكي أبين لأنفسنا مدى التزوير والتضليل في التاريخ.

الوثيقة

كشف الدكتور خوسيه غوميث سولينيو في المؤتمر الـ18 للغة والأدب والمجتمع الإسباني، الذي اختتم أخيراً في مدينة ملقة، جنوب إسبانيا ـ نوفمبر 2006 ـ عن عثوره على وثيقة انجليزية تؤكد أن سقوط غرناطة الإسلامية والحصار الذي عانته المدينة «كان أكثر شراسة مما هو معروف حتى الآن».

ومؤلف وثيقة «سقوط غرناطة» شخص انجليزي متخصص في قوانين الكنيسة ويدعى ويليام ويدمونهام، وكان أحد المدعوين لحضور الصلاة والاحتفال في كنيسة سان بابلو بمناسبة سقوط غرناطة الإسلامية.

وتتحدث الوثيقة عن حجم الأسلحة التي كانت بحوزة الغرناطيين ومدى الترف والأبهة التي تميزت بها القصور الغرناطية والبلاط الملكي، واثر الحصار الذي فرضته القوات الإسبانية على أهالي مدينة غرناطة، حتى اضطرهم إلى أكل الكلاب والقطط. ويخلص إلى أن العرب دفعوا ثمناً باهظاً للغاية بسقوط آخر جوهرة لهم في أوروبا.

ويذكر المؤلف أن عدد القوات التي حاصرت غرناطة كان اكبر بكثير من عدد القوات الغرناطية، مخالفاً بذلك الرواية المتواترة من أن جيش غرناطة كان كبيراً. وتضيف الوثيقة قائلة إن «أهالي غرناطة مروا بمعاناة قاسية خلال أعوام الحصار، وقامت القوات الإسبانية بتحطيم وحرق الحقول المجاورة للمدينة، ما تسبب في مجاعة رهيبة بين سكان غرناطة، ولهذا السبب أكلوا الخيول والكلاب والقطط».

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر