5 دقائق

الإخلاص لله تعالى

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

المرء في هذه الحياة يسير للقاء ربه في رحلة العمر كله، ذلك اللقاء الذي لا يأتي بعده فناء، فإما جنة دائمة أو نار حامية، وذلك اليوم الكبير الذي يحتاج المرء معه لزاد لا ينفد، والزاد والاستعداد يكونان على قدر المسير، واللقاء الخطير، وقد كلف الله تعالى عباده أن يتزودوا لذلك اليوم حتى لا يُغبنوا، أو يهلكوا، وكفيل بتلك التكاليف أن تكون كافية لو أنها حظيت القبول، وقد أعلم الله تعالى عباده أن القبول مرهون بالتقوى والإخلاص والشرعية، لأنه سبحانه لا يريد من عباده المظاهر بل المخابر، فهو سبحانه ينظر إلى القلوب بقدر إخلاصها، والأعمال بقدر موافقتها.

وقد يتعود الجسم على أداء الطاعات فتكون له عادة، وينسى الإخلاص فتكون بوراً، وقد يرغب في العمل ولكن من غير هدى فيكون ضلالاً، والموفق من عباده من جاهد نفسه للإخلاص، وجسده للموافقة.

أما الإخلاص فهو مفتاح القبول لأنه إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالتقرب إليه سبحانه دون شيء آخر من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو معنى من المعاني، سوى التقرب إليه سبحانه، فهذا الذي يرضِّي الحق سبحانه عن عبده فيتقبل عمله، لأنه لا يريد أن يشرك معه غيره، وقد أخبرهم أن «من عمل عملاً أشرك معه غيري تركته وشركه» وهو غني عن العالمين، فمجاهدة النفس لهذا الإخلاص هو جهاد كبير، فإن قدر عليه المرء كان من عباد الله المخلِصين، ويرقيه ذلك ليكون عنده من المخلَصين.

وما أكثر العبادات التي يترقى بها العبد للإخلاص، ففضلاً عما افترضه الله على العبد، فإن كل عمل من أعمال الدنيا فعلاً أو تركاً قد يكون عبادة عظيمة بهذا الإخلاص، ويكون العمر عندئذ كله زاداً للقاء الله، وهذه هي التجارة الرابحة التي ندب الله تعالى عباده لها، فأين التجار الأكياس؟

أما الشرعية فهي معيار العبادة، لأن الشرع له سبحانه، فلا تكون العبادة ذات معنى بغير شرعه، إذ لا يكتب لها القبول، والشرع هو الذي جاء به خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم، مما حفظ لنا في تراثنا الفقهي المستنبط من التنزيل الحكيم، وما أتى به الرسول الكريم، في ضوء فهم السلف وجرى عليه الخلف، أو ادخر الله إدراكه وفهمه لمن أتى بعدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا تحجر على عطائه ما دام نبعه الوحيين، وتأصيل أهل العرفان، فمن أراد السير إلى الله بلا توانٍ فليحقق الإخلاص والاتباع، ألا فما أحوجنا لذلك!

*«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر