مزاح.. ورماح
الدب.. لوماسية هي الحل!
تماماً مثل الدول العربية، لم أذق طعم الانتصار في حياتي.. صحيح أن المعارك التي خضتها مرغماً كانت قليلة، لكنها مشبعة في الهزيمة.
في الصفّ الأول الابتدائي، أرغمت على مشاجرة مع طفل شرس وقف لي في الطريق الواصل بين بيتي وبين «دكّان» الحارة، حاولت تغيير الطريق والتظاهر بأني مغرم بالمسافات الطويلة، إلا أنه أصرّ على التصدّي لي وتوقيفي، أذكر أنه كان معي قطعة «كيك» مازالت في غلافها، وأذكر أنه قال كلمة واحدة: «أطعمني»، فرفعت كتفي وقلت له كلمة واحدة أيضاً: «لأ»! عندها هوت قبضة سمراء صغيرة فجأة على جبهتي، فوجدت نفسي منسدحاً بين قطعتي طوب وفردة «حذاء قديم»، رفعت نظري إلى أعلى قليلاً، في الوهلة الأولى اعتقدت أن ناطحة سحاب تظللني من شمس الظهيرة وعندما دققت النظر قليلاً اكتشفت أن ناطحة السحاب ما هي إلا برميل «زبالة»، نفضت ملابسي من التراب وعدت إلى البيت «أتلمّض» «وألوك الهواء» لأوهم أهلي أن اشتريت الكيك وأجهزت عليه في الطريق.
في الصفّ الرابع كنت مكلّفاً مسك دفتر الحضور والغياب الخاص بالطلاب- حسب النظام التربوي القديم- كل ما أقوم به أن أحصي الحضور وأسجل الغياب وأناوله لمربي الصف نهاية الأسبوع ليتّخذ الإجراء، ذات يوم أخذتني العزّة بالإثم وقمت بتسجيل أقوى الطلاب وأطولهم وأعرضهم في سجل الغائبين، وقد وشى بي أحد الزملاء من الطابور الخامس للزميل العزيز، اقترب منّي «بلطجي» الصف طالباً الدفتر، تجاهلت في البداية والتهيت ببري القلم، فجأة رفعني من مقعدي بوساطة ياقة بلوزتي، في هذه الأثناء حاولت ذراعاي الوصول إلى أي مساحة من جسده كنوع من أنواع المقاومة الصورية من دون فائدة، في نهاية المشاجرة لا أدري كيف لفّت «البلوزة» كلها إلى الخلف، فأنا أذكر رسمة كوخ صغير وقربه أرنب على الواجهة الأمامية للبلوزة، لكن بعد المشاجرة اكتشفت أن الكوخ في منتصف ظهري والأرنب على كتفي كيف لا أعرف.
المشاجرة الثالثة كانت قصيرة ونوعية، في الصف السادس وأثناء الفرصة ونحن نلعب في ساحة المدرسة غافلني طالب «سمج» بوضع قطعة ثلج في «الفانيلا» وهرب، لحقته، وعندما وقف وقابلته وجهاً لوجه، صفعته صفعة مدوية «حقيقة أجمل وأنجح صفعة أنفّذها» في حياتي، فما كان منه إلا أن ردّ الصفعة بـ«بكس» مزلزل، في الحقيقة صرت مديناً له في ما بعد على هذه «اللكمة» لأنها عجّلت بظهور ضرس «العقل».
بعد هذه المعارك الصغيرة والمؤلمة ، أحصيت خسائري، وعرفت قدراتي القتالية، أيقنت تماماً أن لا حل أمامي إلا الدبلوماسية، فمثلاً صار كل من ينوي المشاجرة أو افتعال مشكلة معي، أقوم بالتحايل عليه، إما من خلال صلة القرابة كأن أقول له: «ولك استنى شوي، بتعرف إنه أمي بتقرب لأمك؟»، أو أفاجئه قبل الضربة بلحظات قائلاً: «صحيح مش إنتو بتقربولنا؟!»، «مش مرت خالك بتصير جارة بنت عمي؟»، وإذا انقطعت كل صلات الأرحام والاسترحام، وبقي مصراً على الضربة، فلابد حينها من التنازل عن «مصروفي» طواعية أو تسليم طعامي، بحجة التبرع والتآخي والتشارك والإيثار.
الآن فقط عرفت لماذا الدبلوماسية العربية من أنجح دبلوماسيات العالم!
ahmedalzoubi@hotmail.com
قراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .