أبواب

محاكمة كتاب

محمد المرزوقي

مدخل: الكاتب الذي لا يملك حرية أن يكتب ما يشاء تذبل روحه، والقارئ الذي لا يملك حرية أن يقرأ ما يشاء يذبل عقله.



***


 

ليس أصعب من أن يكتب المرء بالعربية، ولا ترتبط الصعوبة هنا بالتأكيد بما نقوله فحسب، وإنّما أيضًا بما لا نقوله؛ فالكاتب العربي يُضمر ضِعف ــ إن لم يكن أضعاف ــ ما يُعلن، خوفاً من المتربّصين به وبما يكتبه.

فى الأمسية التي أقامها الملتقى الثقافي في الكويت قبل أيام، لفتت نظري الشهادة التي قدمها الروائي السعودي محمد حسن علوان حول الضجة التي أعقبت نشر روايته الأولى «سقف الكفاية»، وجلبت له كمية من المتاعب، وعرضته لكثير من الضغوط التي ينوء بحملها العصبة أولو القوة، إلى درجة جعلته يفكر جدياً في الاتصال بالناشر، ليطلب منه سحب الرواية، وحرق جميع نسخها ليتخلص من هذه الضغوط.

هذه الشهادة الصادقة تعكس حالة التوتر التي يعيشها الأديب العربي فى الشرق الأوسط، بسبب البلطجة الفكرية التي يمارسها الغوغاء على كل من يقرر أن يمسك قلماً ليكتب، ونجحوا بهذه الطريقة في توظيف التوتر، والخوف، والإرهاب الفكري لخنق أصوات عدة.

في النهاية، اتخذ محمد حسن علوان قراراً شجاعاً، عندما رفض ارتفاع السقف الذي حدده له الغوغاء، لأنّه عرف يقيناً أن سقفاً بهذا الانخفاض سيجبره على البقاء منحنياً طوال عمره.

الجدير بالذكر أنّ حوادث الاضطهاد الفكري، كتلك التي مرّ بها علوان، غالباً ما يحركها فرد ما لمآرب شخصيّة، أو لأحقاد وضغائن دفينة، ثم يُقحم فيها بعد ذلك العامة، ليخوضوا ضدّ المفكر/الأديب حرباً بالإنابة.

يروي الدكتور غازي القصيبي، في كتابه «حكاية في الإدارة»، حادثة لا يمكن وصفها إلا بالمضحكة المبكية، فبعد أن صدر ديوانه «معركة بلا راية»، وأجيز للتداول في المملكة، وحظي بإقبال القراء واهتمام النقاد، شن أحد المتربّصين به حربًا «دونكيشوتية» على شخصه وكتابه، فكتب مقالاً مثيراً بلا توقيع، تحدث فيه عن الديوان، كما لو كان نسخة عصرية من كتاب «رجوع الشيخ إلى صباه»، على حد وصف القصيبي.

أصاب المقال الناس بالهيجان، وربما لو كان «تويتر» متاحًا، لتم اختراع «هاشتاق» لتشويه سمعته، رحمه الله، نتيجة لمطالب العامة بمعاقبة القصيبي شكّل الملك فيصل لجنة وزارية، ضمت وزير العدل، ووزير المعارف، ووزير الحج والأوقاف، لدراسة الديوان. انتهت اللجنة إلى أنّه لا يوجد في الديوان شيء يمسّ الدين والخلق، بل إنّ أحد الوزراء ذهب أبعد من ذلك، وأراد أن يضيف إلى المحضر فقرة يقترح فيها تكريم القصيبي، لأنه كتب ديواناً يستحق التكريم. يقول القصيبي معلقاً على الحادثة إن هذه أول مرة في التاريخ، تشكل فيها لجنة على هذا المستوى «لمحاكمة» كتاب.

في الإمارات، اليوم، قد لا تكون لدينا حركة أدبية ناضجة، كمثيلتها في السعودية أو الكويت، لكن لدينا تحرّكات أدبية خجولة، يقود زمامها كتاب وكاتبات شباب، ولن تستوي على سوقها إلا إذا قمنا جميعاً بتوفير قدر كافٍ من حرية الفكر وحرية الرأي، والحماية لها.



***


 

مخرج: الفرق بين النقد المحمود والانتقاد المذموم، ليس بسمك شعرة معاوية حتى يعجز البعض عن رؤيته، ففي حين يوجه الأول للعمل الأدبي، يتجه الثاني مباشرة للأديب!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

تويتر