أبواب

سياسة ورقة التوت!

خليل قنديل

لم يأتِ وقت تكون فيه السياسة العالمية بمثل هذا الوضوح، بمعنى أنك تشعر بلابروف ووزارته الخارجية يجالسك ويتحدث إليك على هذا النحو، وبمثل هذه المسافة القريبة منك حتى الضجر!

ولم يأت وقت يكون فيه جون كيري بمثل هذا الوضوح، وهو يشرح لك حيثيات الضربة على سورية، وأنك صرت قادراً على الدخول في  دهاليز الكونجرس والاشتراك في معمعان التصويت على الضربة الأميركية لسورية!

في زمن تفشي الخبر السياسي مع هواء الفضائيات ومواقع الإنترنت صار يمكن لك ان تجالس فلاديمير بوتين، وأن ترى مدمراته وقطعه البحرية المتناثرة في شرق المتوسط تثقل مشهد اقترابه منك، وهو يضيق من مساحة عينيه الضيقتين أصلاً، وهو يحدثك بالتفصيل المُمل عن سجايا وإيجابيات الخطة الروسية بشأن الأسلحة الكيماوية التي تمتلكها سورية، وحيثيات تدمير هذه الأسلحة، وصار يمكن لك أن تتابع الانزلاق المسلح للقوات الأميركية وهي تجوب المتوسط بكل هذه المدمرات وكل هذه الصواريخ المدمرة والعابرة للقارات، وأن ترى باراك أوباما وهو يقطر المعلومة تلو المعلومة عن جدية الضربة.

ونحن هذه الأيام نشهد وبفجاجة عري السياسة والساسة وهم يقدمون الخطط التوضيحية لكل برامج التعامل مع خطط تدمير الكيماوي السوري وبالتفصيل الممل! والغريب أن المواطن العربي بدأ باستمزاج هذا النهج التوضيحي، لا بل بدأ المحلل السياسي العربي بالتنطع لحواريات الفضائيات وإطلاق تنظيراته الكلامية في التحليل والمناظرة لخطوات أقل ما يقال عنها إنها خطوات واضحة حد العماء.

أبداً لم تكن السياسة - ولا الساسة - يمارس فيها هذا الوضوح في الكشف عن تفاصيل الخطط السياسية، فنحن من جيل الخمسينات ونحن من الجيل الذي عاصر ثقل الساسة، حيث كان رجل السياسة يطل على الجماهير المحتشدة من سرادق معتم وفجأة يقف في دائرة الضوء والاشعاع الكلامي، ثم يبدأ بالخطاب المؤثر الذي يقتلع وجدانك الثوري من جذوره وهو ينشر القشعريرة فوق مسام جسدك.

وأيامها كنّا نذهب لسماع إذاعة لندن، أو حتى الاذاعة الإسرائيلية كي نتمكن من الحصول على المعلومة اليتيمة التي تبدو كالسم في الدسم، كي نبني عليها أبعد التأويلات التي يمكن لها أن ترينا خبايا الخطاب وتورياته.

نعم لم تكن السياسة آنذاك بمثل هذا العري الفاضح الذي يريك كل الخطط والمؤامرات على هذا النحو، ويعمل على إدخالك كشريك ملجم في كل الخطط والمشروعات التدميرية!

نعم أشهد أني عشت في عصر كانت السياسة فيه تشبه الطريق الملغم والعصي على الفهم، وأشهد أني أعيش في عصر السياسة الواضحة.

وأحمد الله كثيراً لأني عشت حتى أرى دول الممانعة وهي تخلع كل ملابسها وترمي في وجهي ما تبقى من ورقة التوت!

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

تويتر