سحر الشرق!!

خليل قنديل

على الرغم من تلك الرغبة العارمة التي يبديها الغرب عبر التاريخ في محاولة «شيطنة» الشرق وإقامة الحد الحضاري عليه في متواليات الحرب والغزو والبطش،إلا انه سرعان وعند انتهاء الكوارث الحربية ما يعاود الاصابة بالهوس التدميري نفسه!!

وفي كل مرّة يعاود فيها الغرب محاولة الحرب على الشرق يستعمل الإغواءات ذاتها التي تكفل له مبرر العودة إلى حماقاته الدهرية هذه، وعادة ما تكون هذه المبررات مبنية على هرطقات وقيم اسطورية وميثيولوجيات هي في الاصل من صناعة الغرب نفسه، لتتحول لاحقاً الى اغواءات يمكن تعميمها على الامراء وقادة الجيوش والدهماء الى درجة الرغبة الجامحة بالافتداء والحرب المقدسة.

ومن يراقب حيثيات الحروب الصليبية واسبابها فلن يعثر على اسباب كافية لقيام مثل هذه الحروب وسفك كل تلك الدماء، وان حاصر فكرة الاسباب فسيجد عودة عند الغرب آنذاك للمرجعية الدينية التي تركها الغرب منذ أمد بعيد، ورغبة هذا الغرب في العودة لاحياء الوازع الديني والقيمي من جديد!

ويمكن القول انه في كل مرة يصحو فيها الغرب من غيبوبته الحضارية تراه يذهب نحو المكنون الجمعي كي يوقظه من جديد ليعمل على تجييش قواه العدوانية بالطريقة ذاتها، وفي كل مرّة كان يجد المبررات ذاتها.

والحال فإن الغرب يبدو ضمن هذه النديّة المُزمنة للشرق كأنه وهو يغيب طويلاً عن الشرق وكأنه يُدرك في لحظة جنون غير عادية انه الابن الضال للشرق الذي طوى المسافات البعيدة في بطاح الارض، عليه في لحظة صحو حضارية ان يعود الى الشرق، وان يعاود تأثيث روحه التي تركها في الشرق وغاب منذ قرون.

وفي أوقات لاحقة كان كتاب «ألف ليلة وليلة» على سبيل المثال، بطبعته المبكرة هو العالم السحري الذي فتح أبوابه للمخيال النخبوي الغربي، ليرسم تلك العوالم الشهوانية للغربي كي تفتح شهية مخياله على الجواري وبيوت الحرملك، والاسواق والعطور والطيوب والحمامات الشعبية والحواري الشرقية والطرب والغناء والسحر كل هذا كان يتشكل كمقبلات قادرة على فتج الشهية عند الدهماء والطبقات الشعبية في الغرب للقيام بحماقة الغزو والحرب واعادة تأثيث الكوارث من جديد.

وليس من باب المصادفة ان يقوم امراء الحروب في الغرب قبل قيام الحرب العالمية الاولى بإرسال النخب من العلماء والمفكرين في رحلات الى الشرق وان يكتبوا سيرة رحلاتهم كي يوقظوا الرغبة في احتلال الشرق من جديد.

ومن يعد الى الكتب والمؤلفات التي انجزت قبيل الحرب العالمية الاولى حتى الثانية فسيجد كيف عمل الفكر والأدب على أدلجة غزو الشرق واحتلاله والسعي الى تدمير قواه الحضارية، وألبس هذا النهج لبوس القداسة.

إنه الشرق اذاً، الذي يبدو بحكمته الدهرية وهو يجلس على حافة الارض يظل يعمل على توليد السحر كي يُمغنط هذا الغرب الذي يغيب طويلاً في حماقاته الارضية كي يعود مثل الابن الضال  ليرضع من ثدي الشرق ومن تلك الحكمة التي لها فعل السحر!


khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر