أبواب

قرن الإعلام

خليل قنديل

ربما كانت حادثة اغتيال الصحافي اللبناني سليم اللوزي، رئيس تحرير «الحوادث» اللبنانية، وبتر أصابعه، دليلاً قاطعاً على الوعي المُبكر بخطورة الإعلام، والاستعداد الدائم لخنق أي قطرة حبر في مهدها، ودليلاً على أن هناك عبر التاريخ العربي والإنساني من يتربص بالمتنفس المطالب بأي حرية.

وربما إذا عدنا الى «زواريبنا» التاريخية، فسنجد أن تاريخنا يحفل بمتواليات ذبح وإعدام، لكل من تسول له نفسه أن يكشف عن المسكوت عنه؛ كي يمنحه القدرة على النطق، وإعلان الفضيحة.

لكنّ المتربصين بلجم الحقيقة، وعدم الإعلان عنها، لم يعتقدوا أنهم على موعد تاريخي مع ثورة الصورة الانقلابية، وثورة «فيس بوك»، والتغريدات الفادحة، ومواقع الانترنت، واتساع مساحة التواصل الكوكبي، وتعدد الفضائيات وتنافسها إلى الدرجة التي باتت فيها بعض الفضائيات العربية والأجنبية تتحول إلى دول مستقلة، قادرة على خلط أوراق اللعبة السياسية في أي وقت، وقادرة أيضاً على أن يحسب حسابها في أي نقلة سياسية!

والأمر تعدى أبعد من ذلك، إذ إننا بتنا نرى أن أي موقف سياسي جديد آخر، وقبل انتقاله إلى أرض الواقع السياسي يحتمل العديد من التجريبات والامتحانات، إلى الدرجة التي بتنا فيها نعتقد أن هذا الفعل السياسي على أرض الواقع هو في الأساس يقوم على بنية إعلامية تقيم في «المايك» والصورة!

المضحك المبكي أن بعض الدول العربية الصارمة والمحافظة مازالت تقيم في منطقة الممنوع والمحرم، ومازالت تعتقل بعض الصحافيين والمراسلين العرب والأجانب، ومازالت الكاميرا التي يحملها المصور الصحافي تتحول إلى «بعبع»، يجب الحذر منه؛ لا بل تحطيم كاميرته واعتقاله!

ومن أراد التأكد من سلطة الإعلام، فعليه أن يراجع التداعيات السياسية في ماراثون «الربيع العربي»، وانقلابات الدول وتحول المريدين بين ليلة وضحاها من الشجب إلى التصفيق، والعكس صحيح!

ومن يتغلغل في المشهد الإعلامي يلحظ أن الإعلام تحول إلى بناء شاهق، عليك أن تعترف بأركانه وأساساته، بحيث انتقل الإعلام من منطقة الواقع إلى منطقة التجريد، التي يصعب فكّ طلاسمها.

والمشكلة الأعمق أن الغرب ــ الذي صنع ثوراته الإعلامية على طريقته ــ قد تجاوز الأُمية العربية في ما يخص إدراك خطورة الإعلام، وتركنا نلهث خلف التصريحات التي يطلقها ساسة الغرب، من دون أن نقدر على فك طلاسمها.

نعم الغرب بدأ يعمل على تشكيل الذائقة السياسية العربية، ويفرّخ المنظرين الذين أخذوا يتبارون صباح مساء على شاشات فضائياتنا!

إن على النظام السياسي العربي أن يدرك أن الإنشاء والكلمات ذات السماكة السلحفائية لم تعد تُجدي نفعاً في قرن الإعلام، وأن ما ينفعنا - وينفعه - هو الوضوح والسماح للكاميرا وحاملها وللمراسل بأن يكشف لنا حجم الفضيحة الواقعية التي نعيشها، على الأقل لنتمكن من تسديد فواتير الدم التي تراكمت علينا، وحان الوقت لتسديدها.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


 

تويتر